للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَامَ، فَاقْتَرَأَ) وفي نسخة "فقرأ" (قِرَاءَةً طَوِيلَةً، هِيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الْأُولىَ) استُدلّ به على استحباب الذكر المشروع في الاعتدال في أول القيام الثاني من الركعة الأولى.

واستشكله بعض متأخري الشافعية من جهة كونه قيامَ قراءة، لا قيامَ اعتدال، بدليل اتفاق العلماء، ممن قال بزيادة الركوع في كلّ ركعة على قراءة الفاتحة فيه، وإن كان محمد بن مسلمة المالكيّ خالف فيه.

والجواب أن صلاة الكسوف جاءت على صفة مخصوصة، فلا مدخل للقياس فيها، بل كلّ ما ثبت أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - فعله فيها كان مشروعا، لأنها أصل برأسه، وبهذا المعنى رَدّ الجمهور على من قاسها على صلاة النافلة حتى منع من زيادة الركوع فيها.

وقد أشار الطحاويّ إلى أنّ قول أصحابه جرى على القياس في صلاة النوافل، لكن اعتدل بأن القياس مع وجود النّصّ يَضْمَحِلّ، وبأن صلاة الكسوف أشبه بصلاة العيد، ونحوها، مما يُجمَع فيه من مطلق النوافل، فامتازت صلاة الجنازة بترك الركوع والسجود، وصلاة العيدين بزيادة التكبيرات، وصلاة الخوف بزيادة الأفعال الكثيرة، واستدبار القبلة، فكذلك اختصت صلاة الكسوف بزيادة الركوع، فالأخذ به جامع بين العمل بالنصّ، والقياس، بخلاف من لم يعمل به. قاله في "الفتح" (١).

(ثُمَّ كَبَّرَ، فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، هُوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الْأَوّلِ، ثُمَّ قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ

حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الحْمْدُ"، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ) أي من تطويل القراءة، والركوع، والسجود، وتكرار الركوع (فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) أي ركوعات (وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ، قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ) أي قبل أن يسلّم من الصلاة (ثُمَّ قَامَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ، مِنْ آيَاتِ اللهِ تَعَالىَ، لَا يَخْسِفَانِ) منِ باب ضرب يضرب، وفي نسخة "لا ينخسفان" (لَمِوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لَحِيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهمُا) أي رأيتم خسفهما (فَصَلُّوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ") بالبناء للمفعول، من الإفراج، أي يُزال عنكم ذلك التخويف (وَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا") قال الكرماني -رحمه اللَّهُ-: المقام يحتمل المصدر، والزمان، والمكان (كُلَّ شَيْءِ وُعِدْتُمْ) بالبناء للمفعول، قال الحافظ السيوطي -رحمه اللَّه-: هذه الرواية أوضح من رواية الصحيح "ما من شيء، لم أكن أُريته، إلا رأيته في مقامي هذا"، حتى قال الكرماني: فيه دلالة على أنه رأى ذاته تعالى المقدّسة في ذلك المقام، بناء على عموم الشيء له تعالى، لقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} الآية


(١) "فتح" ج٣ ص ٢٢٧ - ٢٢٨.