للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فترجم بحديث البراء، فقال. "باب الخطبة قبل الصلاة"، وخفي عليه أن العرب قد تضع الفعل المستقبل مكان الماضي، وكأنه قال - صلى اللَّه عليه وسلم -: أول ما يكون به الابتداء في هذا اليوم الصلاة التي قدمنا فعلها، قال: وهو مثل قوله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا} الآية [البروج: ٨]، أي الإيمان المتقدّم منهم انتهى.

وقال الحافظ: وأما حديث البراء، فظاهره يخالف الترجمة -يعني ترجمة البخاري- بقوله: "باب الخطبة بعد العيد", لأن قوله: "أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع، فننحر" مشعر بأن هذا الكلام وقع قبل إيقاع الصلاة، فيستلزم تقديم الخطبة على الصلاة، بناءً على أن هذا الكلام من الخطبة، ولأنه عقّب الصلاة بالنحر.

والجواب أن المراد أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - صلى العيد، ثم خطب، فقال: هذا الكلام، وأراد بقوله: "إن أول ما نبدأ به" أي في يوم العيد تقديم الصلاة في أيّ عيد كان. والتعقيب بـ "ثم" لا يستلزم عدم تخلّل أمر آخر بين الأمرين.

قال: والمعتمد في صحة ما تأولناه رواية محمد بن طلحة، عن زُبَيد في هذا الحديث بعينه، بلفظ: "خرج النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم أضحى إلى البقيع، فصلّى ركعتين، ثمّ أقبل علينا بوجهه، وقال: "إن أول نسكنا في يومنا هذا، أن نبدأ بالصلاة، ثم نرجع، فننحر … " الحديث، فتبين أن ذلك الكلام وقع منه بعد الصلاة. وقال الكرماني: المستفاد من حديث البراء أن الخطبة مقدّمة على الصلاة، ثم قال في موضع آخر:

فإن قلت: فما دلالته على الترجمة؟. قلت: لو قدم الخطبة على الصلاة لم تكن الصلاة أول ما بدىء به، ولا يلزم من كون هذا الكلام وقع قبل الصلاة أن تكون الخطبة وقعت قبلها انتهى.

وحاصله أنه يجعل الكلام المذكور سابقًا على الصلاة، ويمنع كونه من الخطبة.

قال الحافظ: لكن قد بيّنتْ رواية محمد بن طلحة، عن زبيد المذكورة أن الصلاة لم يتقدّمها شيء, لأنه عقّب الخروج إليها بالفاء. وصرّح منصور في روايته عن الشعبي في هذا الحديث بأن الكلام المذكور وقع في الخطبة، ولفظه: عن البراء بن عازب، قال: خطبنا النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - يوم الأضحى بعد الصلاة، فقال … " فذكر الحديث، فتعيّن التأويل الذي قدمناه انتهى ما في "الفتح" بتصرّف (١). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

١٥٦٣ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ, قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزٌ, قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ, قَالَ: أَخْبَرَنِي زُبَيْدٌ, قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ, يَقُولُ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ, عِنْدَ سَارِيَةٍ, مِنْ سَوَارِي


(١) - "فتح" ج٣ ص١٣١.