للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ) أي كل خصلة مُنشَأَةٍ، وفي نسخة "وكل مُحدّث" أي وكل أمر مُنَشىءٍ بعد كمال الدين بدعةٌ -بكسر، فسكون- وهي -كما قال المجد اللغوي رحمه اللَّه تعالى-: الحَدَث في الدين بعد الإكمال، أو ما استُحدِثَ بعد النبي - صلى اللَّه عليه وسلم -، من الأهواء، والأعمال. (١).

وقال الفيّومي -رحمه اللَّه تعالى-: أباع اللَّه الخلق إبداعا. خلقهم، لا مثال، وأبدعت، الشيءَ، وابتدعته: استخرجته، وأحدثته، ومنه قيل للحالة المخالفة: بِدْعَة، وهي اسم من الابتداع، كالرِّفْعَة، من الارتفاع، ثمّ غلب استعمالها فيما هو نقص في الدين، أو زيادة، لكن قد يكون بعضها غير مكروه، فيسمّى بدعة مباحة، وهو مصلحة، يندفع بها مفسدة، كاحتجاب الخليفة عن أَخْلاطِ الناس انتهى (٢).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تبيّن بهدا أن البدعة لغةً اسم لما أُحدث بعد أن لم يكن، سواء كان دينيًا، أو غير ديني، وأما في الشرع، فهي اسم لما أُحدِثَ في الدين مما لا يدلّ عليه دليل شرعي من كتاب، أو سنّة، أو إجماع، فالبدعة الشرعية أخصّ من اللغوية، فكلّ بدعة شرعية لغويةٌ، ولا عكس.

والحاصل أن كلّ ما أُحدث في الدين بعد ما أخبر اللَّه تعالي بكماله، حيث قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} الآية [المائدة: ٣]، وليس له أصل في الشرع، فهو بدعة ينطبق عليه حديثُ الباب، وحديثُ عائشة - رضي اللَّه عنها -، عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - فيما أخرجه الشيخان-: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردّ".

فلا يُستثنى من قوله: "كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" شيء، وأما ما اشتهر من تقسيم الشافعي -رحمه اللَّه تعالى-، وغيره البدعة إلى محمودة، ومذمومة فإنما هو للبدعة اللغوية، وهي كل ما أُحدث، سواء كان دينيّا، أو غيره، فكلّ ما أحدث وله أصل لي الشرع، فهو محمود، وما لا أصل له فهو مذموم. وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة الخامسة، إن شاء اللَّه تعالى.

(وَكُلُّ بِدْعَةِ ضَلَالَةٌ) الضلالة كالضلال، مصدر ضلّ، من باب ضرب، وله مصادر أخرى في "ق"، قال الراغب الأصفهاني: الضلالُ العدولُ عن الطريق المستقيم، ويُضادّه الهداية، قال تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسراء: ١٥] ويقال: الضلال لكلّ عدول عن المنهج، عمدًا كان، أو سهوًا، يسيرًا كان، أو كثيرًا، فإن الطريق المستقيم الذي هو المرتضى صعبٌ جدًّا.


(١) - راجع "القاموس".
(٢) - راجع "المصباح".