للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثُمَّ قَالَ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ) أي فماله موروث لأهله (وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا" هو بالفتح: الهلاك، ثم سمّي به كل ما هو بصدد أن يضيع لو لم يقم أحد بأمره، كالأطفال.

وقال القرطبيّ: "والضَّيَاع" العيال، قاله النضر بن شُميل، وقال ابن قتيبة: هو مصدر ضاع، يَضيع، ضَيَاعًا، ومثله مَضَى يَمضي، مَضَاءً، وقَضَى يَقضي، قَضَاء، أراد: من ترك عيالاً، عالة، أو أطفالاً، فجاء بالمصدر موضيع الاسم، كما تقول ترك فَقْرًا، أي فُقَراء، والضَّيَاع بالكسر جمع ضائع، مثل جائع وجياع، وضَيعَةُ الرجل أيضًا ما يكون منه معاشه، من صِنَاعة، أو غلّة، قاله الأزهريّ، وقال شَمِر: ويدخل فيه التجارة، والحرفة، يقال: ما ضيعتك؟ فتقول كذا (١) (فإِلَيّ) أي أمره إليّ (أَوْ عَلَيَّ) أي إصلاحه عليّ، ولفظ مسلم "وعليّ" بالواو (وَأَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ) ولفظ الرواية الآتية في "الجنائز" ٦٧/ ١٩٦٢ - : "أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه"، وهو الذي لمسلم. وهي حديث أبي هريرة الآتي في "الجنائز"-٦٧/ ١٩٦٣ - "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم". وهذه الجملة -أعني "أنا أولى الخ"- وقعت عند مسلم، وكذا عند المصنف في "الجنائز مقدمةً على قوله: "من ترك الخ فلذا جعل القرطبي قوله: "من ترك" مُفسِّرًا لقوله: "أنا

أولى ونصه:

وقوله: "أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه" أي أقرب له من نفسه، أو أحقّ به منها، ثم فسّر وجهه بقوله: "من ترك مالاً، فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعًا فإليّ, وعليّ". وبيانه أنه إذا ترك دينا, أو ضياعًا, ولم يقدر على أن يُخلّص نفسه منه, إذ لم يترك شيئًا، يسدّ به ذلك، ثم يخلّصه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بقيامه به عنه، أو سدّ ضيعته كان أولى به من نفسه، إذ قد فعل معه ما لم يفعل هو بنفسه. واللَّه تعالى أعلم.

وأما رواية من رواه: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم" في غير الأصل (٢)، فيحتمل أن يُحمل على ذلك، ويحتمل أن يكون معناه: أنا أولى بالمؤمنين من بعضهم لبعض، كما قال تعالى: {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٦٦] أي ليقتل بعضكم بعضًا في أشهر أقوال المفسّرين انتهى.

وقال النووي -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: "أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه" هو موافق لقول اللَّه تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}، أي أحقّ, قال أصحابنا: لو اضطرّ النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - إلى طعام غيره، ومالكه مضطرّ إليه لنفسه كان له - صلى اللَّه عليه وسلم - أخذه من مالكه المضطرّ،


(١) - "المفهم" ج٢ ص ٥٠٩.
(٢) -أي في غير "صحيح مسلم" لأنه أصل كتاب القرطبي، حيث اختصر كتابه منه.