للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"والنسيان": خلاف الذكر، أرادت أنه لم يتعمد الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنه صحابي مشهور بالصحبة والدين والعلم، ومثله لا ينسب إليه الكذب مطلقًا فكيف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! ولكنه لا يخلو كلامه من أمرين: إما الخطأ وإما النسيان، ثم إنما عللت قولها وذكرت العذر لها وله ما حكته من شأن اليهودية وبكاء أهلها عليها.

ومعنى قوله: "إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها" يريد أنها تعذب بكفرها في القبر وأهلها يبكون عليها لموتها.

ومن ذهب إلى الصحيح قول ابن عمر قال: إن العرب كانوا يوصون بالبكاء عليهم وبالنياحة، وكذلك موجود في أشعارهم كقول بعضهم:

إذا مت فابكيني بما أنا أهله ... وشقي علي الجيب يابنة معبد

وكقول لبيد:

ابكي الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر

وقيل: إنهم كانوا يبكون عليهم ينوحون بتعديد أفعالهم، التي كانوا يفعلونها من القتل والنهب، فأراد أنهم يعذبون بما يبكون عليهم به، وذلك معصية منه ومنهم إذا فعلوا، فإن فعلوها بأمره كان عليهم معصية، كما لو أمر بطاعة فعملت بعده كانت طاعة، وكما يؤجر هو بما هو سبب له من الطاعة، فكذلك يعذب بما هو سبب له من المعصية.

فالعمل بخبر عائشة أولى، لأن خبر ابن عمر مجمل وخبرها مفسر والمفسر يقضي على المجمل، لاسيما والحجة معها بالآية التي أوردتها، وسيجيء في الحديث الثاني لهذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>