للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول ابن عباس: "والله أضحك وأبكى" يريد أن المضحك والمبكي هو الله، فإذا بكى هؤلاء على ميتهم فإن الله هو الذي أبكاهم، وكل ما يفعله العباد بقضاء وقدر.

قال الشافعي: وما روت عائشة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه أن يكون محفوظًا عنه بدلالة الكتاب ثم السنة، فإن قيل: وأين دلالة الكتاب؟، قيل: في قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (١)، وقوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (٢)، وقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (٣). وقوله: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (٤).

قال: وعمرة أحفظ عن عائشة من ابن أبي مليكة، وحديثهما أشبه الحديثين أن يكون محفوظًا، فإن كان الحديث على غير ما روى ابن أبي مليكة من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها" فهو واضح لا يحتاج إلى تفسير, لأنها تعذب بالكفر وهؤلاء يبكون ولا يدرون ما هي فيه.

وإن كان الحديث كما روى ابن أبي مليكة فهو صحيح؛ لأن على الكافر عذاباً أعلى منه فإن عُذّب بدونه وزِيد في عذابه فما استوجب وما نيل من كافر من عذاب أدنى من أعلى منه وما زيد عليه من العذاب فباستجابة لا بذنب غيره في بكائه عليه.

فإن قيل: كيف يزيده عذاباً ببكاء أهله عليه؟ قال: يزيده بما استجيب عمله، ويكون بكاؤهم سببًا لا أنه يعذب ببكائهم.

فإن قيل: أين دلالة السنة؟ قيل: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل: "هذا ابنك"؟. قال: نعم. قال: أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه" (٥).

فأعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما أعلم الله من أن جناية كل امرئ عليه كما عمله لا لغيره ولا عليه.


(١) الزمر: [٧].
(٢) النجم: [٣٩].
(٣) الزلزلة: [٧].
(٤) طه: [١٥].
(٥) أخرجه أحمد (٢/ ٢٢٨,٢٢٦) , وأبو داود (٤٤٩١) والنسائي (٨/ ١٤٠) والبيهقي في السنن الكبير (٨/ ٢٧)، والبغوي في شرح السنة (١٠/ ١٨١) من طريق الشافعي كلهم من حديث أبي رمثة بنحوه، والحديث صححه الألباني -رحمه الله- في صحيح الجامع (١٣١٧)، وانظر التلخيص الحبير (٤/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>