للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفاضوا فيه، مشقة الحر لو أفاضوا فيه. وبهذا يتجه القول في لفظ الحديث.

وقوله: "وأفاض في نسائه ليلاً" يريد: أنه قَدِمَ نساؤه إلى مكة ليلة النحر فأفاضوا.

قال إمام الحرمين: والدليل على جواز الإيقاع في الليل: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم ضعفة أهله من مزدلفة بليل، وذكر لهم أن يوافوه راجعين إلى منى، وكان - صلى الله عليه وسلم - وافى الرمي عند طلوع الشمس، ولا يتأتى موافاته في وقت وصوله إلا بإيقاع الطواف ليلاً.

قال: فإن من منى إلى مكة مسافة لا تقع إلا لمن يتوجه منها بليل.

ولكن يبقى في لفظ هذا الحديث إشكال: وذلك أنه قال: "وأفاض في نسائه ليلاً على راحلته يستلم الركن بمحجنه" وهذا يقتضي أن يكون قد أفاض مع أهله ليلة النحر، ولم يَرِد عنه أنه أفاض إلا يوم النحر نهارًا، بعد الرمل والحلق والنحر في وقت الفضيلة، ثم قلنا: إن قوله: "في نسائه" يريد بنسائه أي حملهم على الإفاضة بأن تَقَدّمهم إلى مكة، فما يصنع بقوله: على راحلته يستلم الركن بمحجنه. والله أعلم بصحة ذلك.

ويمكن توجيه الحديث من طريق آخر: وهو أن يكون -والله أعلم- قد أخر الإفاضة إلى دخول الليل من الليلة الحادية عشرة، أو أفاض يوم النحر وعاد إلى منى، ثم إنه عاد إلى مكة ليلاً مع نسائه فأفاض راكبًا كما جاء في هذا الحديث، ثم إنه لما فرغ من طوافه وقضى أهله طوافهم؛ عادوا جميعًا إلى منى للمبيت بها ليلاً، فتكون الإفاضة من منى والطواف والعود إليها في تلك الليلة.

ويعضّد هذا التأويل ما أخرجه الترمذي في كتابه (١)، قال: حدثنا محمد بن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبي الزبير، عن ابن عباس وعائشة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخر طواف الزيارة إلى الليل".


(١) الترمذي (٩٢٠) وقال: هذا حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>