للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان من عادتهم؛ أنهم يقضون الحاجة في أمثال تلك الأمكنة؛ تسترًا عن أعين الناظرين؛ لأنهم لم يكن لهم كُنُفٌ في البيوت، ولا كانوا يتخذون الحُشوش في الأفنية وكَثُرَ فِعْلُ ذلك منهم، سموا النجو نفسه الغائط تسمية الشيء بمكانه، فهو في أول الحديث كناية عن الموضع، وفي أثنائه كناية عن النجو.

وإنما فعل ذلك كراهةً لِذِكْرِ اسمه الخاص به؛ فإن من عاداتهم التأدب في ألفاظهم، واستعمال الكنايات في كلامهم، وصون الألسنة عما تصون عنه الأبصار والأسماع.

و"القِبْلة": الجهة التي يُصَلَّى إليها؛ قصدًا إلى البيت الحرام.

"واستقبالها": جَعْلُها في مقابل وجهه.

"واستدبارها": جعلها بالعكس من جهة ظهره، وفي إحدى الروايتين "بغائط" بالباء؛ فجعل الغائط هو الذي يستقبل به القبلة.

وفي الأخرى: "لغائط" باللام، جعل نفسه الذي يستقبل القلبة، ثم علل استقباله أنه لأجل الغائط والبول.

وقوله: "ولا بول" فذكر "لا" زيادة في البيان، وإيضاح لتفصيل جملة متوهمة؛ وذلك أنه لو قال: فلا يستقبلها بغائط وبول، جاز أن يكون النهى عن استقبالها بهما معًا، وعن استقبالها بكل واحد منهما على الانفراد، فأما حيث قال "ولا بول" فإنه زال ذلك الاحتمال، وصار التقدير: فلا يستقبلها بهذا ولا يستقبلها بهذا.

ويبقى حينئذٍ توهم جواز استقبالها بهما جميعًا؛ لأن اللفظ لا يدل عليه.

وينبني بهذا الاحتمال، أنه إنما نهى عن استقبالها، بالغائط والبول إكرامًا لها؛ تنزيهًا عن كل واحد منهما؛ فإذا كان قد نَزَّهَها عن كل واحد منهما، على الانفراد فلأن ينزهها عنهما أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>