للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك لبن التصرية اختلط بالحادث بعده، ولا يوقف على حده، فقضى فيه بأمر ينتهي إليه، ثم من أخبره أن قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في المصراة كان قبل نسخ العقوبات في الأموال حتى يجعله منسوخًا معها، وأبو هريرة من أواخر من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمل خبر التصرية، عنه في آخر عمره، وعبد الله بن مسعود أفتى به بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا مخالف له في ذلك من الصحابة، فلو صار إلى قول عبد الله، ومعه ما ذكرنا من السنة الثابتة التي لا معارض لها؛ كان أولى به من دعوى النسخ في أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأعجب من هذا أن من يدعي تسوية الأخبار على مذهبه، يحكي ما ذكرناه عن بعض أصحابه، ثم يدعي نسخ خبر المصراة، بأن المشتري ملك لبنًا دينًا بصاع تمرٍ دينًا فقد حل ذلك محل بيع الدين بالدين، وروى حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" فصار ذلك منسوخًا به، وهذا من الضرب [الذي] (١) تغني حكايته عن (٢) جوابه، أَيُّ بيع جرى بينهما على اللبن بالتمر حتى يكون ذلك بيع الدين بالدين؟! ومن أَتْلَفَ على غيره شيئًا فالُمتْلَف غير حاضرِ، والذي يلزمه من الضمان غير حاضر، أفنجعل ذلك دينًا بدين حتى لا يوجب الضمان، ويعدل عن إيجاب الضمان إلى حكم آخر؟! وقد يكون ما حلب من اللبن حاضرًا عنده في آنيته، [أفيحل ذلك] (٣) محل الدين بالدين (٤)؟ والله أعلم.


(١) في "الأصل": التي، والمثبت من "المعرفة" (٨/ ١١٩).
(٢) في "الأصل": على، والمثبت من "المعرفة".
(٣) في "الأصل": أفنجعل، والمثبت من المعرفة (٨/ ١٢٠).
(٤) زاد في "المعرفة" (٨/ ١٢٠): أو يكون خارجًا من حديث موسى بن عبيدة، لو كان يصرح بنسخ حديث المصراة لم يكن فيه حجة عند أهل العلم بالحديث فكيف وليس في حديثه مما توهمه قائل هذا الشيء والله المستعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>