للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى خيار الشرط، وهذا تأويل فاسد وذلك أن الاستثناء من الإثبات نفيٌ، ومن النفي إثبات، والأول إثبات الخيار، فلا يجوز أن يكون ما استثنى منه إثباتًا مثله، على أن قوله: "إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر" يفسد ما قاله هذا التأويل ويهدمه، واحتج بعض من ذهب إلى أن التفرق هو تفرق الأبدان بأن المتبايعين إنما يجتمعان بالإيجاب والقبول؛ لأنهما كانا قبل ذلك متفرقين، ولا يجوز أن يَحْصُلا متفرقين بنفس الشيء الذي به وقع اجتماعهما.

وأما مالك فإن أصحابه يحتجون في رد هذا الحديث يقول مالك: ليس العمل عليه عندنا فليس للمتفرق حد محدود يعلم.

وقول مالك ليس حجة على غيره.

قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: مالكًا لست أدري من اتهم في إسناد هذا الحديث؟! اتهم نفسه أو نافعًا، وأُعظِم أن أقول اتهم ابن عمر، وأما قوله: فليس للتفرق حد يعلم -فليس الأمر على ما توهمه؛ إذ الأصل في هذا أو نظائره أن يرجع فيه إلى عادة الناس وعرفهم، وذلك يختلف باختلاف الأمكنة التي يجتمع فيها المتبايعان، فإذا كانا في بيت؛ فإن التفرق إنما يقع بخروج أحدهما منه، وإن كانا في دار واسعة؛ فبأن ينتقل أحدهما من مجلسه إلى صفة أخرى أو بيت من بيوت الدار، وإن كانا في سوق على حانوت فهو بأن يولي عن صاحبه ويخطو خطوات، وهذا كالعرف الجاري بين الناس، الذي لا ينكر، وكان ابن أبي ذئب يستعظم هذا الصنيع من مالك.

وهذا كلام شديد وبيان حسن حققه الإمام أبو سليمان الخطابي، والإمام أحمد البيهقي، وليس فيه طعْنٌ لطاعن؛ إلا أنا وجدنا فيه مساغًا لقائل في موضع واحدٍ وهو في تفسير قوله: "إلا بيع الخيار" والمنع من تفسيره بخيار الشرط، ونحن نذكر ما عندنا في ذلك، فنقول: الخيار في البيع عند الشافعي على ثلاثة أقسام:

<<  <  ج: ص:  >  >>