للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعيين واختيار الزوج لا في عقد النكاح؛ لأن ولي الثيب ليس له أن يزوجها بغير إذنها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة؛ إلا أن تكون معتوهة فللأب والجد إجبارها على النكاح، فالحديث مسوق لبيان الاستئذان لا لجواز النكاح بغير إذن الولي ولا بإذنه، فكان حمل هذا اللفظ على ما قلنا أولى من حمله على جواز التزويج، ويدل على ذلك أنها لو زوجت نفسها من غير كفؤ؛ كان لوليها ردّ النكاح بغير خلاف، وقد استدل أصحاب الشافعي بقوله: "الأيم أحق بنفسها من وليها" على أن ولي البكر أحق بها من نفسها من طريق دلالة المفهوم؛ لأن الشيء إذا قيد بأخص أوصافه دل على أن ما عداه بخلافه، فقوله: "الأيم أحق بنفسها من وليها قد جمع نصًّا ودلالة، والعمل واجب بالدلالة كوجوبه بالنص، ودلالته أن غير الثيب وهي البكر حكمها خلاف حكم الثيب في كونها أحق بنفسها.

وأما استثمار البكر فإنما شرع تطييبًا لنفسها دون الوجوب، بدليل أنه جعل صماتها إذنها، والصمات لا يكون إذنها بل هو إلى الامتناع أقرب به وأولى؛ لأن الإذن له عبارة تدل عليه فإنه إيجاد وإنشاء، والامتناع عدم، فالسكوت من أقوى أدلته، ولكن لما اعتبر الشارع صلوات الله عليه أن البكر الغالب عليها الحياء وأنها لذلك لا تنطق بالإذن؛ جعل السكوت أمارة على الإذن والرضا, ولأنه قد يستدل بسكوتها على سلامتها من آفة تمنع الجماع وسبب لا يصلح معه النكاح مما لا يعلمه غيرها.

قال الشافعي -رضي الله عنه- ويشبه في دلالة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[إِذْ فرق] (١) بين البكر والثيب، فجعل الثيب أحق بنفسها من وليها، وجعل البكر تستأذن من نفسها؛ أن الولي الذي عَنى -والله أعلم- الأب خاصة، فجعل


(١) في "الأصل"؛ أن يفرق، وهو تحريف، والمثبت من "الأم" (٥/ ١٨) و"المعرفة" (٥/ ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>