للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسلوك ألطف الطرق في أخذ القصاص بعد موته.

وقوله: "فإن مت فقتلتموه" ولم يقل: "فاقتلوه" تلقينا لهم وتحسينا إليهم أن أمر قتله بعد موتي والعفو عنه إليكم؛ فإن وجد منكم أحد الأمرين الجائزين لكم وهو القتل فلا تمثلوا أي: كونوا كما قال الله -تعالى-: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (١)، وأخذًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" فكرم الله وجهه في أكرم أخلاقه، وأشرف أعراقه، وألطف ألفاظه، وأصلح أغراضه.

هذا الحديث أخرجه الشافعي في كتاب "أهل البغي" مستدلاً به على أن الباغي إذا لم تكن له جماعة يمنعونه وطائفة قائلة بقوله يصدون عنه، فإنه يقاد منه. ونحن نذكر المذهب فيه مفصلاً وإنما يثبت حكم البغاة لمن خرج عن طاعة الإمام بثلاث شرائط:-

إحداها: أن يكون لهم كثرة ومنعة تحتاج في لقائهم إلى جمع الجيش، فأما إذا كانوا أعدادًا لا تحتاج إلى ذلك معهم فإنهم قطاع الطريق، يدل على ذلك حديث علي- كرم الله وجهه- وابن ملجم- لعنه الله.

قال الشافعي: قتل ابن ملجم عليًا متأولاً فأقيد به، فلم يثبت لفعله حكم البغاة ولأنا لو أثبتنا للواحد والعدد حكم البغاة في سقوط ضمان ما أتلفوه؛ أدى إلى إتلاف أموال الناس بغير ضمان، [ولو] (٢) لم يكن لعلي -كرم الله وجهه- القود من ابن ملجم لقال لولده: لا تقتلوه فإنه متأول، قال: وقتله الحسن بن علي، وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم أحدا أنكر قتله ولا عابه؛ ولا خالف في أن يقتل إذا لم تكن جماعة يمتنع بمثلها.

قال: ولم يقر علي -ولا أبو بكر قبله- ولي من قتله الجماعة الممتنعة مثلها على التأويل كما وصفنا ولا على الكفر.


(١) [النحل: ١٢٦].
(٢) من المعرفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>