للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول القائل: من يعزم على كرامتي أكرمه، ومن يعزم على إهانتي أهنه، ولا يرد أنه يكرمه أو يهينه بمجرد العزم على إكرامه وإهانته، وإنما يريد أحد أمرين إما أن يجاري اللفظ بلفظ مثله، فيكون التقدير: من يعزم على كرامتي أعزم على كرامته، ومن يعزم على إهانتي أعزم على إهانته، أو على تقدير: من يعزم على كرامتي فإني أكرمه إذا وقع منه ما عزم عليه، ولكن أوسع في الخطاب بهذا القول المعتاد لفهم المعنى والله أعلم.

وأخبرنا الشافعي: أخبرنا ابن أبي فديك، عن [ابن] (١) أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن أنه قال: بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بالذي لها عند الله -عز وجل-".

بطر الرجل -بالكسر- يبطر -بالفتح-: إذا طغى في النعمة وكفرها وجار فيها، يريد: لولا أنها إذا علمت ما لها عند الله من الخير والأجر والثواب والنعيم المعد المدخر لها؛ كانت تبطر وتدع العمل وترتكب ما لا يحل لها، اتكالا على ما لها عند الله من حسن الجزاء لأعلمتها به. وهذا دليل على علو منزلتها وارتفاع قدرها عند الله، وأن المعد لها شيء كثير؛ لا يمكن الإنسان مع معرفته به إلا أن يطغى ويبطر. وفي إضافة البطر إليها نقص ولكنه أمر طبيعي قد ركب في الإنسان وجبلت الفطرة الآدمية فلا يكاد يخلو عنه وإن وجد من يقهر نفسه، ويكف هواه، ويغلب طبعه فإليه المنتهى وقليل ما هم فلا نظن أن ذلك نقص يخصهم فإنه وصف لا يخلو منه بشر. وفقنا الله وإياكم لقهر شيطان الهوى.

وأخبرنا الشافعي: أخبرني ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لقريش: "أنتم أولى الناس بهذا الأمر ما كنتم مع الحق، إلا أن تعدلوا عنه فتُلحون عليه


(١) من المسند (٣/ ٦٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>