للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمذهب الشافعي: أن من عاين الكعبة فلا يجزئه إلا التوجه إلى عينها، ومن كان بحيث لا يراها فلا يخلو أن يكون الحائل بينهما أصليًّا في خلقته كالجبل، أو محدثًا كالبناء، فالأصلى يجوز له الاجتهاد ويصلي بما غلب على ظنه، وأما المحدث فمن أصحاب الشافعي من ألحقه بالأصلي، وهو الصحيح وظاهر كلام الشافعي، ومنهم من قال: لا بد له من مشاهدة العين والتوجه إليها.

والذي نص عليه الشافعي في "الأم": أن طلب عين الكعبة واجب على المعاين والغائب عنها، إلا أن المعاين يواجهها بيقين، والغائب يجتهد.

وقد نقل المزني: أن الواجب على الغائب طلب جهة الكعبة.

وأنكره عليه أبو حامد الاسفراييني وقال: لا يعرف هذا للشافعي، وإنما هو مذهب المزني، وإليه ذهب أبو حنيفة.

وقد ذكر من احتج للقائلين بالجهة، شبهه مخيلة في الظاهر في تعذر قصد العين على الغائب عن البيت فقال: إن الناس يصلون صفوفًا مستقيمة، فلو كان القصد إلى عين الكعبة واجب، لما صح إلا لمن هو في مسامتة عرض البيت أو طوله من الصف، ويبطل استقبال الباقين الخارجين عن مسامتة البيت، إلا أن ينحرف كل واحد منهم عن مسامتته جهة اليمين أو اليسار، بأن يكون جميع الصف قطعة من دائرة مركزها في البيت، وهذان المعنيان غير معتبرين في حال الصف، والإجماع يقضي بصحة صلاتهم، فوجب أن يكون جهة البيت قبلة مع البيت، وهذا أمر ظاهر يقضي بصحة ما قاله من تعذر قصد العين.

والجواب عنه من وجهين:-

أحدهما: أن جعل جهة البيت قبلة دون العين، فإنه يعترف بتوجه المصلي إلى غير البيت بلا إنكار، والخارجون عن مسامتة البيت يمينًا أو يسارًا، لم يُحَدَّ لهم هذا القائل حَدًّا ينتهون إليه، فإنا إذا جعلنا البيت في جهة الجنوب قبلة، لمن

<<  <  ج: ص:  >  >>