للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما ذكر السباع بعد قوله "الدواب" لأنه لما ذكر الأهم وهو الدواب، وكان العرف قد خصص الدواب بالمركوب، أتبعه ذكر السباع، لئلا يُظَنَّ أن السؤال إنما كان عن الدواب المركوبة خاصة -دون السباع؛ فزادها بذلك بيانًا وإيضاحًا, ولأن السائل إذا سأل عن الدواب- ولعل أكثرها حلال وسؤرها طاهر -فبالأولى أن يسأل عن السباع التي هي حرام، وسؤرها مجهول الحكم عنده، فلذلك خَصَّ بعد أن عَمَّ.

وكذلك في الرواية الأخرى، التي قَدَّمَ فيها السباع على الدواب، أنه لما ذكر الخاص، أتبعه ذكر العام لتحصل المسألة عن الأمرين، ويسمع الجواب عنهما، لأن الدواب قد صارت خاصة في العرف -كما قدمنا.

قلنا: وأما معنى قوله: "لم يحمل خبثا" فإنه أراد أن الماء إذا كان قلتين، دفع الخبث عن نفسه، كما يقال: فلان لايحمل الضيم، إذا كان يأباه ويدفعه عن نفسه.

وقيل: أراد به إذا كان قلتين، لم يحتمل أن يكون فيه نجاسة لأنه ينجس بوقوع الخبث فيه، أي أنه يضعف عن حمل النجاسة، فيكون على الأول؛ قد قصد أوَّل مقادير المياه التي لا ينجس بوقوع النجاسة فيها، وهو ما بلغ القلتين فصاعدًا، وعلى الوجه الثاني: يكون قد قصد آخر المياه، التي ينجس بوقوع النجاسة فيها، وهو ما انتهى في القِلَّةِ إلى القلتين.

فيكون التقدير على هذا القول الثاني: إذا وقعت النجاسة فيهما أنهما نجستان، فإذا زادتا على القلتن احتملتا النجاسة، وهذا على خلاف ما ذهب إليه القائلون بالقُلَّتن، لأن مذهبهم أن الماء إذا بلغ قلتين دفع النجاسة عن نفسه، ولم ينل بوقوعها فيه، على التفصيل الذي يأتي بيانه آنفا (١).

ولأنه لو كان للتأويل الثاني وجه في الصحة، لم يكن إذًا فَرْقٌ بين ما بلغ من


(١) كذا بالأصل والسياق غير مستقيم ولعله (أتى بيانه آنفًا).

<<  <  ج: ص:  >  >>