للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما حكم الباب فلا يقتل ساحر أهل الكتاب (عند مالك لقول ابن شهاب ولكن يعاقب) (١) إلا أن يقتل بسحره فيقتل، أو يحدث حدثًا فيؤخذ منه بقدر ذلك، وهو قول أبي حنيفة والشافعي.

وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك أيضًا أنه لا يُقتل ساحر أهل العهد إلا أن يدخل بسحره ضررًا على مسلم لم يعاهد عليه، فإذا فعلوا ذلك فقد نقضوا العهد، فحل بذلك قتلهم (٢).

وعلى هذا القول لا حجة لابن شهاب في أنه - عليه السلام - لم يقتل اليهودي الذي سحره لوجوه منها: أنه قد ثبت عنه أنه كان لا ينتقم لنفسه، ولو عاقبه لكان حاكمًا لنفسه.

ومنها كما قال المهلب: أن ذلك السحر لم يضره؛ لأنه لم يفقده شيئًا من الوحي، ولا دخلت عليه داخلة في الشريعة، وإنما اعتراه شيء من التخيل والتوهم، ثم لم يتركه الله على ذلك، بل تداركه وعصمه، وأعلمه بموضع السحر وأمره باستخراجه وحل عنه، فعصمه الله من الناس ومن شرهم كما وعده، وكما دفع عنه أيضًا ضر السم بعد أن أطلعه على المكيدة فيه بآية أظهرها إليه معجزة من كلام الذراع.

وقد اعترض بعض الملحدين بحديث عائشة، وقالوا: وكيف يجوز السحر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسحر كفر وعمل من أعمال الشياطين، فكيف يصل ضره إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع حياطة الله له وتسديده إياه بملائكته، وصون الوحي عن الشياطين؟

وهذا اعتراض فاسد قال على جهل قائله وغباوته وعنادٍ للقرآن؛ لأن


(١) من (ص ١).
(٢) "المنتقى" ١٧/ ١١٧ - ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>