للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ: إنما استعاذ من شر فتنته كما استعاذ من شر فتنة الغنى، أو استعاذ من فقر النفس، ولا شك أن الفقر مصيبة من مصائب الدنيا، والغنى نعيم من نعيمها، كالمرض والعافية، فالمرض فيه ثواب ولا يمنع سؤال العافية، وما أحسن قول أبي علي الدقاق -فيما حكاه عنه في "الرسالة"- لما سئل: أي الموضعين أفضل: الغنى أو الفقر؟ الغنى لأنه وصف الحق، والفقر وصف الخَلْقِ.

قال أبو عبد الله: الغني المتعلق البال بالمال هو الفقير، وعادمه الذي يقول ليس لي رغبة فيه إنما هي ضرورة العيش، هو الغني.

قال - عليه السلام -: "ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس" (١)، والشارع سأل رتبة علياء وهو الكفاف، فقال: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا" وفي لفظ: "كفافًا" أخرجه مسلم (٢)، ومعلوم أنه لا يسأل إلا أفضل الأحوال وأسنى المقامات والأعمال، وقد اتفق الجميع على أن ما أحوج من الفقر مكروه، وما أبطر من الغنى مذموم.

ولابن ماجه عن أنس مرفوعًا: "ما من غني ولا فقير إلا ودَّ يوم القيامة أنه أُوتى من الدنيا قوتًا" (٣)؛ فالكفاف حالة وسطى، وخير الأمور أوساطها، وهي حالة سليمة من آفات الغنى المطمع، ومن آفات الفقر المدقع التي كان يتعوذ منهما.


(١) سيأتي برقم (٦٤٤٦).
(٢) مسلم (١٠٥٥) كتاب الزكاة، باب في الكفاف والقناعة، وبعد حديث (٢٩٦٩) كتاب الزهد والرقائق.
(٣) "سنن ابن ماجه" (٤١٤٠) من طريق نفيع، عن أنس، مرفوعًا؛ قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (١٦٠٣)، والألباني في "سنن ابن ماجه" (٩٠٤): ضعيف جدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>