للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والبليد لا يصلح إلا بآيات الحس، والذين بعث إليهم نبينا - صلى الله عليه وسلم - كانوا أرباب ذكاء وفطنة، وكفاهم القرآن معجزة، غير أن القضاء قضى على قوم من أذكيائهم بالشقاء مع وجود الفهم، كما قال عمرو بن العاصي: تلك عقول كادها بارئها لكبرهم، تكبرهم عن ذلك الاتباع، وعادوا على أسلافهم من تخطيئهم في عبادة الأصنام، وحسدوا الشارع لما ميز عنهم {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر: ٥٦] على أنه لم يكن للأنبياء معجزة إلا ولنبينا عليه وعليهم أفضل الصلاة السلام من جنسها، فإن الرعب الذي أيد به كان يوقع في قلوب أعدائه (١) ما لم توقعه عصى موسى في قلوب أعدائه.

قلت: وكذا تسخير الريح لسليمان فإن عدوه كان على مسيرة شهر يخاف غدوه عليه أو رواحه، ورعب نبينا كان العدو يخافه من مسيرة شهر مع علمه أنه لا يغدو عليه في يومه ولا يروح، وقد روي: "شهر أمامي وشهر خلفي" (٢) فهذِه زيادة، ونبع الماء من بين أصابعه (٣)، أعظم من تفجره من حجر؛ إذ الأحجار من عاداتها تفجرها بالماء، ولم تخبر عادة بجريان الماء من بين لحم وعظم، وخطاب الذراع له أعظم من تكليم الموتى لعيسى.


(١) يشير المصنف -رحمه الله- إلى ما سلف برقم (٣٣٥)، ورواه مسلم (٥٢١) من حديث جابر. وسلف أيضًا برقم (٢٩٧٧)، ورواه مسلم (٥٢٢) من حديث أبي هريرة، والذي فيه: "ونصرت بالرعب مسبرة شهر".
(٢) رواه الطبراني في "الكبير" ٧/ ١٥٤ - ١٥٥ (٦٦٧٤) من حديث السائب بن يزيد. قال الهيثمي في "المجمع" ٨/ ٢٥٨: فيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (٤٢٢١).
(٣) سلف برقم (١٦٩)، ورواه مسلم (٢٢٧٩) من حديث أنس، وبرقم (٤١٥٢) من حديث جابر.

<<  <  ج: ص:  >  >>