للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رسول - صلى الله عليه وسلم -، فالذين بقوا في ذلك الجيش لم يقتلوا أكثرُ من أولئك أضعافًا، وإذا كان ذلك جيشًا واحدًا، فانظر كم بقي في مدن الإسلام إذ ذاك في عساكر أخر ممن جمع القرآن، فيظهر من هذا أن الذين جمعوا القرآن على عهده لا يحصيهم أحد، ولا يسعهم عدد.

فإن قلتَ: إذا لم يكن له دليل خطاب فلأي شيء خص هؤلاء الأربعة بالتزكية دون غيرهم؟

فالجواب: أنه يحتمل أن يكون ذلك لتعلق غرض المتكلم بهم دون غيرهم، أو بقول: إن هؤلاء في ذهنه دون غيرهم (١).

فلما ذكر القاضي أبو بكر وجوه التأويل أنه لم يجمعه على جميع الوجوه، أو أنه لم يجمعه تلقينًا، أو من انتصر له قال: تظاهرت الروايات أن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأجل سبقهم إلى الإسلام وإعظام الرسول لهم، وقد ثبت عن الصديق بقراءته في المحراب بطوال السور التي لا يتهيأ حفظها إلا لأهل القدرة على الحفظ والإتقان، منها: عن ابن عيينة، عن الزهري، عن أنس: أن الصديق قرأ في الصبح بالبقرة؛ فقال عمر: كادت الشمس أن تطلع فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين (٢).

وقد علم أن كثيرًا من الحفاظ وأهل الدربة بالقرآن يتهيبون الصلاة بالناس بمثل هذِه السور الطوال وما دونها، وهذا يقتضي أن أبا بكر كان حافظًا، وقد صح الخبر أنه بنى مسجدًا بفناء داره بمكة قبل الهجرة، وأنه كان يقوم فيه بالقرآن ويكثر بكاؤه ونشيجه عند قراءته،


(١) انتهى من "المفهم" ٦/ ٣٧٩ - ٣٨٠ بتصرف.
(٢) رواه ابن أبي شيبة ١/ ٣١٠ (٣٥٤٥)، والبيهقي ٢/ ٣٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>