للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكان هذا الحديث أصلاً لهذا المعنى.

ودل هذا أنه ينبغي للضيف المصير إلى ما (يحثه) (١) عليه ضيفه، ويشهد لهذا المعنى حديث أنس - رضي الله عنه - أن غلامًا خياطًا دعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للطعام فقدمه بين يديه فأكل، وأقبل الخياط على عمله، وقد ترجم البخاري فيما سلف باب: من أضاف رجلاً إلى طعام وأقبل هو على عمله، ثم ذكر حديث أنس السالف فيه (٢)، فدل هذا الحديث أن أكل صاحب الطعام مع الضيف ليس من الواجبات، إلا أنه جاء في حديث ضيف أبي بكر معنى يختص بخلاف هذا الأصل المتقدم، وذلك أن أضيافه أقسموا ألا يفطروا حتَّى ينصرف من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحبس عنده إلى هوى من الليل فبقوا دون أكل، وقد كان ينبغي على ظاهر الأصل السالف من أن صاحب المنزل لا ينبغي لأحد التسور عليه في منزله في أمرهم أن يفطروا حين عرض عليهم الأكل ولا يأتونه، فلما امتنعوا من ذَلِكَ وبقوا غير مفطرين إلى إقباله، ثم حنث نفسه في يمينه التي بدرت منه؛ إيثارًا لموافقتهم؛ لأن ذَلِكَ أنه يجوز للضيف أن يخالف صاحب المنزل في تأخير الطعام وشبهه؛ إذا رأى لذلك وجهًا من وجوه المصلحة، وأنه لا حرج عليه في ذَلِكَ، ألا ترى أن الصديق وإن كان غضب لتأخر قراهم إلى وقت قدومه لم ينكر عليهم يمينهم ولا قال لهم: أتيتم ما لا يجوز لكم فعله. ولا شك أن الصديق أعلم بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حمل إليه بقية الطعام ولم يعنف القوم ولا خطأهم في يمينهم، وهذا الذي يغلب على الوهم؛ لأن أصحابه كانوا لا يخفون عنه كل ما يعرض لهم ليسن لهم فيه.


(١) في (ص ٢): يحمله.
(٢) سلف برقم (٥٤٣٥) كتاب: الأطعمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>