للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي هذِه الأحاديث: التنبيه على أن زهرة الدنيا ينبغي أن يخشى سوء عاقبتها، وشر فتنتها من فتح الله عليه الدنيا، ويحذر التنافس فيها، والطمأنينة إلى زخرفها الفاني؛ لأنه - عليه السلام - خشي ذلك على أمته، وحذرهم منه لعلمه أن الفتنة مقرونة بالغنى.

ودل حديث عمران وعبد الله أن فتنة الدنيا لمن يأتي بعد القرن الثالث أشد، حيث قال في سبق الشهادة وظهور السمن، فجعل ظهور السمن فيهم وشهادتهم بالباطل، وخيانتهم الأمانة، ومنافستهم في الدنيا، وأخذهم لها من غير وجهها، كما قال - عليه السلام - في حديث أبي سعيد: "ومن أخذه بغير حقه فهو كالذي يأكل ولا يشبع"، وكذلك خشي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فتنة المال، فروي عنه: أنه لما أتي بأموال كسرى بات هو وأكابر الصحابة عليه في المسجد، فلما أصبح وأصابته الشمس (ابتلقت) (١) تلك التيجان فبكى، فقال له عبد الرحمن بن عوف: ليس هذا حين بكاء، إنما هو حين شكر، فقال عمر - رضي الله عنه -: إني أقول: ما فتح الله هذا على قوم قط إلا سفكوا دماءهم، وقطعوا أرحامهم، وقال: اللهم منعت هذا رسولك؛ إكرامًا منك له، وفتحته عليَّ لتبتليني به، اللهم اعصمني من فتنته.

فهذا كله يدل أن الغنى بلية وفتنة، ولذلك استعاذ - عليه السلام - من شر فتنته، وقد أخبر الله تعالى بهذا المعنى، فقال لرسوله: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [طه: ١٣١] وقرن الفتنة به، وقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الانفال: ٢٨] ولهذا آثر أكثر سلف الأمة التقلل من الدنيا، وأخذ البلغة، إذ التعرض للفتن غرر.


(١) في (ص ٢): أشرقت.

<<  <  ج: ص:  >  >>