للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عاملون، وإلى ما هم إليه صائرون، إذ كان لا تخفى عليه خافية قبل أن يخلقهم وبعدما خلقهم؛ ولذلك وصف أهل الجنة فقال: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)} إلى قوله: {وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة: ٢٢، ٢٣، ٢٤]، وقال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} [السجدة: ١٧] وكذلك قال في أهل النار: {ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (٢٨)} [فصلت: ٢٨]، فأخبر أنه أثاب أهل طاعته جنته بطاعته، وجازى أهل النار بمعصيتهم إياه، ولم يخبرنا أنه أدخل من أدخل منهم النار والجنة لسابق علمه فيهم، ولكنه سبق في علمه أن هذا من أهل السعادة والجنة، ويعمل بطاعته، وفي هذا أنه من أهل الشقاء، وأنه يعمل بعمل أهل النار فيدخلها بمعصيته؛ فلذلك أمر تبارك وتعالى ونهى ليطيعه الطائع منهم، فيستوجب بطاعته الجنة، ويستحق العقاب منهم العاصي بمعصيته، فيدخل بها النار، ولتتم حجة الله تعالى على خلقه، فإن قلت: فما معنى قوله إذًا: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له". إن كان الأمر كما وصف من أن الذي سبق لأهل السعادة والشقاء لم يضطر واحداً من الفريقين إلى الذي كان يعمل، ويمهد لنفسه في الدنيا، ولم يجبره على ذَلِكَ. بل هو أن كل فريق من هذين مسهل له العمل الذي اختاره لنفسه مزين له، كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} إلى قوله: {حَكِيمٌ} [الحجرات: ٧]، وأما أهل الشقاء فإنه زين لهم سوء أعمالهم؛ لإيثارهم لها على العمل بطاعته، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ

زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤)} [النمل: ٤]، وكما قال: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر: ٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>