للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥)} [التوبة: ٧٥] فبين تعالى أنهم لما لم يفوا بما عاهدوا الله عليه، استحقوا الوعيد والذم فلزمهم الوفاء به.

واحتج ابن شهاب لمن قال: يجزئه الثلث بحديث الباب "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك"، وقوله - عليه السلام - لأبي لبابة في مثل ذلك: "يجزئك الثلث" (١) فكان مبينًا لما أجمل في حديث كعب من مقدار الجزء المتصدق به، فثبت بحديث أبي لبابة التقدير، وسقطت سائر الأقاويل، وقد أسلفنا مثله في حديث كعب أيضًا.

قال ابن القصار: ومن الحجة لمالك قوله تعالى: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: ٧٧] فأمر تعالى بأن لا ينسى نصيبه من الدنيا؛ لما بالخلق ضرورة إليه من الوقت وما لابد منه، ووجب الاقتصار على إخراج الثلث لما ذكر، ويدل على صحة هذا القول أن المريض لما منع من إخراج ماله إلا الثلث نظرًا لورثته وإبقاءً عليهم، وجب أن يبقي (المرء) (٢) على نفسه متى قصد إخراج ماله كله.

وأما من قال يخرج زكاة ماله فلا وجه له؛ لأنها واجبة على الإنسان، وإن لم ينذرها، وأما قول أبي حنيفة أنه لا يخرج إلا الأموال التي تجب فيها الزكاة فقط، فإننا نقول: إن الأموال تشتمل على ما فيه الزكاة، وعلى ما لا زكاة فيه، قال تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: ٢٧]، ولم يفرق بين عبيدهم وعروضهم، وبين العتق والرتق والحرث والماشية (٣).


(١) سبق تخريجه في "الموطأ"، ورواه أبو داود برقم (٣٣١٩).
(٢) من (ص ٢).
(٣) "شرح ابن بطال" ٦/ ١٤٨ - ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>