للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكماله، ومن كان مناففا أو مرائيًا عاد ظهره طبقة واحدة كلما رام السجود خر عَلَى قفاه، فعلى هذا تكون الصورة التي لا يعرفونها مخلوقة، والفاء التي دخلت عليها بمعنى الباء ويكون معنى الكلام أن الله تعالى يجيئهم بصورة. كما في قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة:٢١٠]، ويكون معنى الإتيان هنا: يحضر لهم تلك الصورة.

وأما الصورة الثانية التي يعرفون عندما يتجلى لهم الحق فهي صفته تعالى التي لا يشاركه فيها شيء من الموجودات، وهذا الوصف الذي كانوا قد عرفوه في الدنيا، وهو المعبر عنه بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشوري: ١١] ولهذا قالوا: إِذَا جاء ربنا عرفناه. فقيل لهم في الحديث: وكيف تعرفونه؟ قالوا: إنه لا شبيه له ولا نظير وقد جاء مرفوعًا في كتاب "التصديق بالنظر إلى الله تعالى" للآجري من حديث أبي موسى كذلك، ولا يستبعد إطلاق الصورة بمعنى الصفة والمجيء والإتيان المضاف إلى الرب جل جلاله.

ثانيا: هو عبارة عن تجليه لهم فكأنه كان بعيدًا فقرب أو غائبًا فحضر، وكل ذَلِكَ خطاب عَلَى وجه الاستعارة، جار عَلَى المتعارف من توسعات العرب، فإنهم يسمون الشيء باسم الشيء إِذَا جاوره أو قاربه، والتحول المنسوب إليه تعالى في رواية أخرى في الصحيح عبارة عن إزالة تلك الصورة الأولى المتعوذ منها، فيكون قوله: "تحول" (١) حالًا متقدمة قبل سجودهم؛ بمعنى: وقد كان تحوّل. أي: حول تلك الصورة وأزالها وتجلى هو بنفسه، فيكون المراد بهذا


(١) رواه مسلم (١٨٣/ ٣٠٢).