للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خص بالمدح المستغفرين بالأسحار، ويحتمل أن يكون ذلك فعلًا يظهر بأمره فيضاف إليه كما يقال: ضرب الأمير اللص، ونادى الأمير في البلد، وإنما أمر بذلك فيضاف إليه الفعل كما مضى أنه عن أمره ظهر، إذا احتمل ذلك في اللغة لم ينكر أن يكون لله ملائكة يأمرهم بالنزول إلى السماء الدنيا بهذا الدعاء والنداء فيضاف ذلك إلى الله.

وحديث النسائي السالف يعضده، وقد سئل الأوزاعي عن معنى هذا الحديث فقال: يفعل الله ما يشاء، وهذِه إشارة منه إلى أن ذلك فعل يظهر منه -عز وجل-، وذكر حديث كاتب مالك عنه أنه قَالَ في هذا الخبر: ينزل أمره ورحمته، وقد رواه مطرف عنه أيضًا (١)، وأنكر بعض المتأخرين هذا اللفظ، فقال: كيف يفارقه أمره؟. وهذا كلام من اعتقد أنه ينزل أمره القديم، وليس كذلك، وإنما المراد ما أشرنا إليه، وهو ما يحدث عن أمره، قَالَ الإمام أبو بكر محمد بن فورك: روى لنا بعض أهل النقل هذا الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما يؤيد هذا التأويل، وهو بضم الياء من ينزل، وقد تقدم نقل ذلك عنه، فإذا كان ذلك محفوظًا فوجهه ظاهر (٢).


= ولو تكلم بذلك لأهانه الناس ولقالوا: من أنت حتى تأمرنا؟! والمنادي كل ليلة يقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " كما في ندائه لموسى - عليه السلام -: (إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكري)، وقال: (إني أنا الله رب العالمين). ومعلوم أن الله لو أمر ملكًا أن ينادي كل ليلة أو ينادي موسى لم يقل الملك: "من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألنى فأعطيه؟ من يستغفرنى فاغفر له؟ "، ولا يقول: "لا أسأل عن عبادي غيري".
"مجموع الفتاوى" ٥/ ٤١٥ - ٤١٨.
(١) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: نقل عن مالك رواية أنه تأول "ينزل إلى
السماء الدنيا" أنه ينزل أمره. لكن هذا من رواية حبيب كاتبه وهو كذاب باتفاقهم.
وقد رويت من وجه آخر لكن في الإسناد مجهول. "مجموع الفتاوى" ١٦/ ٤٠٥.
(٢) "مشكل الحديث وبيانه" ص ٢٢٠ وما قبله أيضًا هو من كلام ابن فورك.