للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أصحها: وهو تأويل الجمهور على أنه محمولٌ على من أوصى به، كما كانت العرب تفعله؛ لأنه بسببه وهو منسوب إليه، وإليه ذهب البخاري في قوله: إذا كان النوح من سنته -يعني: أنه يوصي بذلك- أو من سببه بها على ما سلف، وهو قول الظاهر، وأنكروا قول عائشة وأخذوا بالأحاديث السالفة.

ثانيها: أنه يعذب بسماعه بكاء أهله، ويرق لهم ويسوؤه إتيانه ما يكره ربه، قَالَ القاضي عياض: وهو أولى الأقوال، وفيه حديث قيلة مطولًا، وفيه: "والذي نفس محمد بيده، إن إحداكن لتبكي فتستعبر إليه صويحبه، فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم" (١).

قال الطبري: الدليل على أن بكاء الحي على الميت تعذيب من الحي له لا تعذيب من الله ما رواه عوف عن خلاس بن عمرو، عن أبي هريرة قَالَ: إنَّ أعمالكم تعرض على أقربائكم فإن رأوا خيرًا فرحوا به، وإن رأوا شرًّا كرهوه، وإنهم ليستخبرون الميت إذا أتاهم من مات بعدهم، حَتَّى إن الرجل ليسأل عن امرأته أتزوجت أم لا؟

ثالثها: كانوا يعددون في نواحهم جرائم الموتى ويظنونه محمودًا كالقتل وشن الغارات، فهو يُعذب بما ينوحون به عليه، وقيل: يقال للميت إذا ندبوه: أكنت كذاك؟ فذاك التوبيخ عذاب.

رابعها: إن قوله: ("ببكاء") أي: عند بكاء أهله يعذب بذنبه، قَالَ القاضي حسين: يجوز أن يكون الله قدر العفو عنه، إن لم يبكوا عليه،


(١) "إكمال المعلم" ٣/ ٣٧١ - ٣٧٢.
والحديث رواه ابن سعد ١/ ٣١٧ - ٣٢٠، والطبراني ٢٥/ ٧ (١) مطولًا.
قال الهيثمي في "المجمع" ٦/ ٩ - ١٢: رجاله ثقات. وحسن الحافظ إسناده في "الفتح" ٣/ ١٥٥.