للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

به، ويشبه أن يكونوا إنما عوملوا به وتعبدوا هذا النوع من التعبد؛ ليتعلق خوفهم بالباطن المغيب عنهم، ورجاؤهم بالظاهر البادي لهم والخوف والرجاء مروحتا العبودية فيستكملون بذلك صفة الإيمان، وبيّن أن كلا ميسر لما خلق له، وأن عمله في العاجل دليل مصيره في الآجل، ولذلك تمثل بالآية، وهذا الظاهر من أحوال العباد، ووراء ذلك علم الله فيهم، وهو الحكيم الذي لا يسأل عما يفعل.

قَالَ أبو سليمان: فإذا طلبت لهذا الشأن نظيرًا من العلم يجمع لك هذين المعنيين، فاطلبه في باب أمر الرزق المقسوم مع الأمر بالكسب والأجل المضروب في العمر مع التعالج بالطب، فإنك تجد الغيب عنهما علة موجبة، والظاهر البادي سببًا مخيلًا، وقد اصطلح الخاص والعام على أن الظاهر منهما لا يترك للباطن، وهذا القدر منه يكفي الفهم الموفق (١).

قَالَ الداودي: قد كتب الله أفعال العباد وما يصيرون إليه قبل خلقهم، فالعباد غير خارجين من العلم ولا ممنوعين من العمل.

قلتُ: فلا يقال إذا وجبت السعادة والشقاوة بالقضاء الأزلي والقدر الإلهي فلا فائدة إلى التكليف، فإن هذا أعظم شبهة للنافين للقدر، وقد أجابهم الشارع بما لا يبقى معه إشكال، ووجه الانفصال أن الرب تعالى أمرنا بالعمل، فلا بد من امتثاله، وغيب عنا المقادير؛ لقيام حجته وزجره ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته فسبيله التوقيف. فمن عدل عنه ضل وتاه؛ لأن القدر سر من أسراره لا يطلع عليه إلا هو، فإذا دخلوا الجنة كشف لهم.


(١) "أعلام الحديث" ١/ ٧٢٠ - ٧٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>