للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيه: حض على الصدقة أيضًا؛ لأن العليا يد المتصدق، والسفلى يد السائل، والمعطي مفضل على المعطى، والمفضل خير من المفضل عليه. ولم يرد - صلى الله عليه وسلم - أن المفضل في الدنيا خير اليدين. وإنما أراد في الإفضال والإعطاء. قَالَ الخطابي: توهم كثير من الناس أن العليا من علو الشيء فوق الشيء، وليس ذلك عندي بالوجه، إنما هو على المجد والكرم. يريد به الترفع عن المسألة والتعفف عنها (١). ورد عليه ابن الجوزي فقال: لا يمتنع أن يحمل على ما أنكره؛ لأنها إذا حملت العليا على المتعففة لم يكن للمنفق ذكر، وقد صحت لفظة: المنفقة، وكان المراد أن هذِه اليد التي علت وقت العطاء على يد السائل هي العالية في باب الفضل.

وزعم قوم: أن العُليا هي الآخذة، والسفلى هي المعطية. وهؤلاء قوم استطابوا السؤال فجنحوا إلى الدناءة. والناس إنما يعلون بالمعروف والعطايا.

وقال ابن العربي: إذا قلنا: إنَّ العليا: المعطي؛ فلأنها نائبة عن الله إذ هو خازنه ووكيله في الإعطاء، فأخذها منه كأنه أخذها من الله تعالى.

وقد قيل: إن العليا: يد السائل (٢)؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الصدقةَ لتقع في كفِّ الرَّحمن قَبْل أن تقعَ في كفِّ السَّائلِ" (٣) والتحقيق فيه أن الله تعالى عبر بالعليا عن يده المعطية إذ هو بأمره، وعبر عن يد السائل بالسفلى؛ لأنه الذي يقبل الصدقات. وكلتاهما يد الله، وكلتاهما يمين وعليا. فلذلك كان الأقوى أن تكون يد المعطي العليا. ويبقى في السفلى على ظاهره؛ لأنها


(١) انظر: "غريب الحديث" ١/ ٥٩٤ - ٥٩٦.
(٢) انظر: "كتاب القبس" ٢/ ٤٥٣.
(٣) رواه ابن عبد البر في "تمهيده" ٢٣/ ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>