للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم انصرف إلى الحكم المعلق على الفعل، لا إلى الفعل نفسه، فأهل مكة وغيرهم في إباحة التمتع الذي هو الفعل سواء، والفرق بينهم في الاستثناء يعود إلى الدم؛ لأنه الحكم المعلق على التمتع، وهذا بمنزلة قوله - عليه السلام - "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل منزله فهو آمن" (١) فلو وصله بقوله ذلك لمن لم يكن من أهل القينتين، أو لغير ابن خطل، لم يكن ذلك الاستثناء عائدًا إلا إلى الأمر، لا إلى الدخول، ولا يكون سائر الناس ممنوعين من دخول منازلهم، ومنزل أبي سفيان، بل إن دخلوا فلهم الأمان كلهم، إلا من استثنى.

وقوله {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ} [البقرة: ١٩٦] لو تجرد من تمامه لم يعد، كقولك: زيد. لا يفيد بانفراده حتى تخبر عنه بقائم أو قاعد أو غيره، فكذلك قوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ} لا يفيد شيئًا حتى تخبر عن حكمه.

وقوله {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] هو الحكم الذي به تتم الفائدة، والفوائد إنما هي في الأحكام المعلقة على أفعال العباد، لا على أسمائهم، ومثله {فَسَجَدَ المَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلَّا إِبْلِيسَ} معناه: فإنه لم يسجد، فلم تكن الفائدة في الاستثناء راجعة إلا إلى نفي السجود الذي به يتم الكلام، وإنما أوجب الله الدم على المتمتع غير المكي؛ لأنه كان عليه أن يأتي محرمًا بالحج من داره في سفره، والعمرة في سفرتان، فلما تمتع بإسقاط أحد السفرين، أوجب الله عليه الهدي، فكذلك القارن

هو في معناه لإسقاط أحد السفرين، ودلت الآية على أن أهل مكة بخلاف هذا المعنى؛ لأن إهلالهم بالحج خاصة من مكة، ولا خروج


(١) رواه مسلم (١٧٨٠) كتاب: الجهاد والسير، باب: فتح مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>