للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبعد بدو الصلاح يكون البيع صحيحًا، ولا يجوز أن يقال فيه ذلك؛ لأنه يستحله بالعقد.

وأجيب بأنه إن استحله بعقد البيع فإن تمام العقد لا يحصل عند المخالف إلا باجتناء الثمرة، وقبل ذلك المصيبة من البائع، وليس قبض كل ما يشترى كله على وجه واحد، ألا ترى أن الرجل يستأجر ظئرا شهرًا واحدًا؛ لإرضاع ولده، فهو في معنى اللبن الذي لا يستطيع قبضه في موضع واحد، فلو انقطع اللبن في نصف الشهر لرجع بما يصيبه، فكذلك الثمرة إذ العادة أن تؤخذ أولًا، فأولًا عند إدراكه وتناهيه، ولو اشتراه مقطوعًا لكانت مصيبته من المشتري؛ لأنه يقدر على أخذه كله حالًا، فإن قلت: فقولوا بالجائحة مطلقًا، كما قال به من سلف.

فالجواب: أنها في لسان العرب، إنما هي فيما كثر دون ما قل؛ لأنه لا يقال لمن ذهب درهم من ماله وهو يملك ألوفًا: إنه أُجيح (١).

ومن جهة المعقول أن المشتري قد دخل على ذهاب اليسير من الثمرة؛ لأنه لا بد أن يسقط منها شيءٌ، وتلحقه الآفة، ويأكل الطير وغيره منها فلم يجب على البائع أن يضع عن المشتري ذلك المقدار الذي دخل عليه حتَّى يكون في حد الكثير، وأول حدِّ الكثير في الشيء ثلثه فصاعدًا بدليل قوله - عليه السلام - لسعد: "الثلث والثلث كثير" (٢) فجعل ثلث ماله كثيرًا في ماله، ولهذا قال مالك: إنه يوضع الثلث فصاعدًا؛ ليكون قد أخذ بالخبر والنظر. وقال يحيى بن سعيد:


(١) انتهى من "شرح ابن بطال" ٦/ ٣١٩ - ٣٢٠.
(٢) سلف برقم (١٢٩٥) كتاب: الجنائز، باب: رَثى النبي سعد بن خولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>