للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وما أحسن تعليل مالك رضي الله عنه أنه كان ليس لهم هذا القوت، يشير إلى أن ما ذكرناه لم يكن لأحد من الصحابة الذين خاطبهم بما خاطبهم به بأكل مثلها، إنما كان الغالب من قوتهم التمر والشعير، وقد صح أن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق، فإن زاد على ما فرض عليه من قوته وكسوته بالمعروف كان متفضلًا متطوعًا" (١).

وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: لو أن رجلًا عمل لنفسه خبيصًا، فأكله دون خادمه ما كان بذلك بأس (٢)، وكان يرى أنه إذا أطعم خادمه من الخبز الذي يأكل منه فقد أطعمه مما يأكل منه؛ لأن (من) عند العرب للتبعيض، ولو قال: أطعموهم من كل ما تأكلون لعم الخبيص وغيره، وكذا في اللباس.

وقوله: ("ولا تكلفوهم ما يغلبهم") هو كقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، ولما لم يكلفنا الله فوق طاقتنا ونحن عبيده وجب أن نمتثل لحكمه وطريقته في عبيدنا.

وقوله: ("فإن جلفتموهم فأعينوهم")، فيه جواز تكليف ما فيه مشقة، فإن كانت غالبة وجب العون عليها، وروى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا: "لا تستخدموا رقيقكم بالليل، فإن النهار

لكم والليل لهم" (٣).


(١) رواه مسلم (١٦٦٢) كتاب: الإيمان، باب: إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس ولا يكلفه ما يغلبه. وأحمد ٢/ ٢٤٧.
(٢) انظر: "شرح ابن بطال" ٧/ ٦٤.
(٣) ذكره ابن بطال في "شرحه" ٧/ ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>