للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

كثيراً ما تزل بهم القدم، وكثيراً ما تعلق بنفوسهم ما يخوضون فيه من بحوث يثيرها المخالفون بقصد إيقاع الشك وزلزلة الإِيمان ذهاباً منهم إلى التعمق فى الذي يثيرونه وإن كانوا عالمين بأنهم لا تقوم لهم حجة أمام الحق الساطع، والبراهين القوية.

ولهذا ذهب إلى تحريم الخوض في الكلام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وسفيان، وجماعة من أهل الحديث وحكى الغزالي أن الشافعي سئل عن شيء من الكلام فغضب وقال: سل عن هذا حفصا الفرد وأصحابه (١١٣).

وإنما كانت النظرة إلى أهل الكلام بهذه الشدة لأن الاشتغال بذلك يؤدي إلى ترك الكتاب والسنة وهما العمودان الأصليان في إقامة دعائم الدين.

ومن الأقرب أنه تأثر بما جاء عن مالك -رضي الله عنه- فإنه قال: أرأيت إن جاءه من هو أجدل منه أيدَعُ دينه كل يوم إلى الدين الجديد؟ وصدر هذا عن مالك لأن المتجادلين تتفاوت أقوالهم (١١٤) وتختلف أيضاً قوتهم على الجدل فربما يفحم من هو على حق فتميل به الأهواء فيترك ما عليه ثم يبدو له وجه الحقيقة فينزع ما لبسه من الضلال للرجوع إلى ما هو صحيح.

ثم إن الحديث ينهى عن التنطع كما جاء من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال: "هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطعُونَ". والمراد بالمُتَنَطِّعين المتعمقون فيما لا ينفع فيه التعمق وإن كان التعمق له مكانه، وله مجالاته، ولكن إن كان في الحقائق الناصعة فإنه يؤدي إلى خلاف المقصود.


(١١٣) الإِحياء (ج ١ ص ١٠٠).
(١١٤) الإِحياء (ج ١ ص ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>