للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومن استنباطاته الغريبة ما كتبه على حديث رؤية الباري سبحانه؛ وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حجابه النور" وفي رواية أخرى "النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

ربما من لم يتمعن في هذا الحديث يعتقد ما لا يليق بالله سبحانه وتعالى مما هو منزه عنه، وهو أنه جل جلاله يحجبه شيء عن الأبصار، بمعنى أننا لم نره تعالى لأنه قد جعل حجاباً يحجبه عن الأنظار، كما هو الشأن فيمن أراد أن يحجب نفسه والله تعالى ليس كذلك؛ لأن الحجاب ما منع من تعلق الإِدراك، وهو أمر حسي كالأجسام الحائلة بين الرائي والمرئي وهذا ما لا يمكن اعتقاده في الجانب الإِلهي لأنه سبحانه وتعالى ليس بجسم ولا محدود، ودفعا لهذا حرر المسألة في المعلم غاية التحرير حتى ينتفي اعتقاد ما لا يليق بالباري جل وعلا:

"قال الشيخ: الضمير الذي في "وجهه" يعود على المخلوق لا على الخالق إذ الحجاب بمعنى الستر مما يكون على الأجسام المحدودة؛ والباري جلت قدرته ليس بجسم ولا محدود.

والحجاب في اللغة: المنع، ومنه سمي المانع من الأمير حاجباً لمنعه الناس عنه. ومنه الحاجب في الوجه لأنه يمنع الأذى عن العين، والإِنسان ممنوع من رؤية الخالق في الدنيا فسمي منعه حجاباً. ولما كان النور والنار المانعين في العادة من الإِدراك وهما من أشرف الأشياء المانعة أخبر عليه السلام أنه لو كشف عن النار أو النور المانعين من الإِدراك في العادة لأحرقت وجوه المخلوقين وإن كان الباري سبحانه لا تقابله الأنوار، وتقابل المخلوقين وتمنعهم من الرؤية" (١١).

ومن تدقيقه وتحريره في استنباطاته أنه ربما يرد عليه شيء من كلام غيره


(١١) (الفقرة ١٠٩) من المعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>