للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما الشافعي فإنه يَحْتَجُّ بِأنه أمر - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه بأن يعطي بعيرا في بعيرين إلى أجل. وهذا يخص قوله سبحانه: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} إذا قلنا إن الزيادة في عوض الشيء تسمى ربا حقيقة. وجماعة من أهل الأصول يذهبون إلى تخصيص العموم بخبر الواحد وبعضهم يمنع منه.

وأما مالك فإنه توسط بين القولين وعدل بين المذهبين وسلك حماية الذريعة. وأصله القول بما بها فنظر إلى أن الأجناس إذا اختلفت جاز التَّفَاضُلُ فيها نسيئة. والغرض من المتملَّكات الانتفاعات، وأما نفس الذوات فلا يملكها إلا الله الذي يوجدها ويُعدمها، وإنما مَلك الخلق الانتفاع بها، فإذا كانت المنافع مختلفة وهي المقصودة التي يتعلق بها الملك وجب أن تحل محلّ اختلاف الأجناس، وإذا كان الغرض في دابّة الحملَ عليها والغرض من أخرى الجريَ بها صارا في الأنفس كدابة يراد ركوبها وثوب يراد لباسه فإذا ساوت المنافع نظر إلى قوله: "إن النبيء (١٠٦) - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن سلف جرّ نفعا"، فإذا دفع ثوبا في ثوبين الغرض فيهما كالغرض في الثوب فكأنه أسلفه واشترط عليه أن ينتفع بالزيادة، ولو أسلم ثوبين في ثوب تَتَّفِقُ الأغراض فيهما لاتُّهِمَا أيضاً على أن يكون أعطاه أحد الثوبين ليضمن له الثاني في ذمته أجلا سمياه فيصير ذلك معاوضة على الضمان وسلفا لينتفع بالضمان وذلك لا يجوز. ولو تحققنا حصول السلف والغرض على وجه لا منفعة فيه محققة وهي الزيادة المحسوسة ولا فيه مقدرة (١٠٧) مقدرة يتهم الناس عليها لأجزنا ذلك إذا سلك به مسلك القرض.

وقد وقع عندنا اضطراب في المذهب في التبايع بما اتفقت أجناسه ومنافعه ولم تقع فيه زيادة هل يجوز أم لا؟ كسلم ثوب في مثله فأُجيز، لأن تقدير


(١٠٦) في (ج) "نظر إلى قول النبيء".
(١٠٧) في (ب) خاصة "لا منفعة فيه مقدرة" بدون واو قبل لا وعلى هذه النسخة يختلف المعنى لكن الصحيح ما جاء في النسخ الثلاثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>