للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الحديث لتكون قرائن الترجيح أوسع، فإنَّه مما لا شك فيه عند المحدثين أن الثقة قد يخطئ، كما أن الضعيف قد يصيب، غير أنَّ خطأ الضعيف أكثر من الثقة.

والمعيار الذي يُبنى عليه الحكم على خطأ الراوي في الرواية، هو مقارنة المرويَّات والقرائن المرجحة، ومعرفة المخالفة والتفرد، ونحن نرى الكثير من أئمة هذا الشأن يصنعون مثل ما صنع الدارقطني في العلل، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل في كتابه العلل، وابن أبي حاتم في العلل وغيرهم من المحدثين المتقدمين، وهذا المسلك أدق، والله أعلم.

ولقد وصف الحافظ ابن رجب طريقتهم في الحكم على التفرد فقال: " وأمَّا أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد -وإن لم يرو الثقات خلافه-: إنَّه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه ". (١)، وهذا مما يدل على دقة منهج المحدثين المتقدمين في مفهوم العلة وتعليلهم وتصحيحهم للأحاديث، وسوف أسوق بيان ذلك بالأمثلة والبراهين الدالة عليه:

١. الدليل على أنهم كانوا يعتبرون مخالفة الثقة لمن هو أوثق في إعْلال المرويَّات:

المثال الأول: قال البرقاني في العلل: " وسئل - الدارقطني - عن حديث عاصم بن عمر بن الخطاب، عن عمر - رضي الله عنهم - عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في فضل ما يقال عند الأذان.

فقال - الدارقطني -: هو حديث يرويه عمارة بن غزية، عن خبيب بن عبدالرحمن، واختلف عن عمارة، فرواه إسماعيل بن جعفر، عن عمارة، عن خُبَيب، عن حفص بن عاصم، عن أبيه، عن عمر - رضي الله عنهم -، فوصل إسناده ورفعه إلى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، حدث به عنه كذلك إسحاق بن محمد الفروي، ومحمد بن جهضم، ورواه إسماعيل بن عياش، عن عمارة بن غزية، عن خُبَيب بن


(١) ابن رجب: شرح علل الترمذي، طبعة دار الكلمة مصر، سنة ١٤١٨هـ (ص٢٧٢ - ٢٧٣).

<<  <   >  >>