للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي - عليه السلام - أنه أمر بالإسفار كما مَرَّ ذكره، وقد قلنا أيضًا: إن صلاته - عليه السلام - في الغلس لا يدل على الأفضلية حتى يقال لا يأمر بأن تصلى صلاة في وقت يصليها في غيره.

وأما حديث (١): "أول الوقت، رضوان الله، وآخره عفو الله" فالمراد من العفو: الفضل، كما في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (٢) أي الفضل، فكان معنى الحديث -والله أعلم-: أن من أدى الصلاة في أول الوقت فقد نال رضوان الله وأمن من سخطه وعذابه، لامتثاله أمره وأدائه ما وجب عليه، ومن أدى في آخر الوقت فقد نال فضل الله، ونيل فضل الله لا يكون بدون الرضوان، فكانت هذه الدرجة أفضل من تلك.

وأما حديث (٣): "سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة في أول وقتها" فمعناه أداء الصلوات في أول وقتها أفضل الأعمال، وذكر "أول" ها هنا لأجل الحث والتحضيض والتأكيد على إقامة الصلوات في أوقاتها، وإلا فالذي يؤديها في ثاني الوقت أو ثالثه أو رابعه كالذي يؤديها في أوله، فعُلم أن المراد من ذكر الأول الحث والتأكيد في المنع عن الكسل في آدائها وتأخيرها عن وقتها إلى خروجها عنه، لا أن الجزء الأول له مزية على الجزء الثاني أو الثالث أو الرابع، فحاصل المعنى: الصلاة في وقتها أفضل الأعمال ثم يتميز الجزء الثاني في صلاة الصبح عن الجزء الأول بالأمر الذي فيه الإسفار الذي يقتضي التأخير عن الجزء الأول.

وأما قوله: وقد قال الشافعي في حديث رافع ... إلى آخره، يرده ويبطل تأويله


(١) تقدم قريبًا.
(٢) سورة البقرة، آية: [٢١٩].
(٣) أخرجه أبو داود في "السنن" (١/ ١٦٩ رقم ٤٢٦)، وأحمد في "المسند" (٦/ ٣٧٤ رقم ٢٧١٤٧)، والحاكم في "المستدرك" (١/ ٣٠٢ رقم ٦٨٠) كلهم من حديث أم فروة، وأخرج البخاري نحوه من حديث ابن مسعود (١/ ١٩٧ رقم ٥٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>