للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال المصنف:

[باب الاغتباط في العلم والحكمة]

الاغتباط افتعال من الغِبطة، وهي تمني ما للمغبوط من غير زواله عنه، بخلاف الحسد فإنه مع زواله عنه. والحكمة معرفة الشيء على ما هو عليه، فهي بمعنى العلم حينئذ. ويكون عطفها عليه من باب العطف التفسيريّ. وقيل: الحكمة هي العلم النافع خاصة، فيكون عطفها عليه من عطف الخاص على العام. ثم قال:

وقال عمر، رضي الله تعالى عنه: تفقَّهوا قبل أن تُسَوَّدوا، بضم المثناة الفوقية، وتشديد الواو، أي: تصيروا سادة، من ساد قومه يسودهم سيادة، إذا كان سيدهم. والسيد هو الذي يلجأ إلى سَوَاده، أي: شخصه عند الشدائد. وقيل: السيد كل مقهور مغمور بحلمه، قال أبو عبيدة: أي تفقهوا وأنتم صغار، قبل أن تصيروا سادة، فتمنعكم الأنفة عن الأخذ عمن هو دونكم، فتبقوا جهالًا. وفسر التسود بالتزوج، فإنه إذا تزوّج صار سيد أهله، ولاسيما إن ولد له. وهذا حمل بعيد، إذ المراد بقوله تسودوا، السيادة، وهي أعم من التزويج، ولا وجه لمن خصصه بذلك؛ لأنها قد تكون به، وبغيره من الأشياء الشاغلة لأصحابها عن الاشتغال بالعلم.

وجوز الكَرَماني أن يكون من السواد في اللحية، فيكون أمرًا للشباب بالتفقه قبل أن تسود لحيته، أو أمرًا للكهل قبل أن يتحول سواد لحيته إلى الشيب. ولا يخفى تكلفه. وقيل: أراد عمر الكف عن طلب الرياسة، لأن الذي يتفقه يعرف ما فيها من الغوائل، فيجتنبها. وقيل: معناه لا تأخذوا العلم من الأصاغر، فيُزدرى بكم. وهذا أشبه بحديث عبد الله "لن يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم" وزاد الكَشميهنيّ في روايته: قال أبو عبد الله، أي: البخاري: وبعد أن تسودوا، وإنما أتى بها البخاري عقب ذلك ليبين أنه لا مفهوم له، خشية أن يفهم أحد من ذلك أن السيادة مانعة من التفقه، وإنما أراد عمر أنها قد تكون سببًا للمنع، لأن الرئيس قد يمنعه

<<  <  ج: ص:  >  >>