للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحديث الخامس عشر]

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ -عَلَى غَيْرِ مَا حَدَّثَنَاهُ الزُّهْرِيُّ- قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ، فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا".

قوله: على غير ما حَدَّثناهُ الزُّهْريّ، يعني أن الزُّهريّ حدث سفيانًا بهذا الحديث بلفظ غير اللفظ الذي حدثه به إسماعيل. ورواية سفيان عن الزهري أخرجها البخاري في التوحيد وفي فضائل القرآن، عن ابن عمر. وسنبين ما تخالفت فيه الروايتان بعد إن شاء الله تعالى.

وقوله: "لا حسد" الحسد: تمني زوال النعمة عن المنعَم عليه، وخصه بعضهم بأن يتمنى ذلك لنفسه. والحق أنه أعم، وسببه أن الطباع مجبولة على حب الترفع على الجنس، فإذا رأى لغيره ما ليس له أحب أن يزول ذلك عنه له، ليرتفع عليه، أو مطلقًا، ليساويه، وصاحبه مذموم إذا عمل بمقتضى ذلك من تصميم أو قول أو فعل. وينبغي لمن خطر له ذلك، أن يكرهه كما يكره ما وضع في طبعه من حب المنهيات. واستثنوا من ذلك ما إذا كانت النعمة لكافر أو فاسق يستعين بها على معاصي الله تعالى. فهذا حكم الحسد بحسب حقيقته.

وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة، وأطلق الحسد عليها مجازًا، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره، من غير أن يزول عنه، كما مر. والحرص على هذا يسمى منافسة، فإن كان في الطاعة، فهو محمود، ومنه

<<  <  ج: ص:  >  >>