للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحده بغير عسكر، وهل هي حاصلة لأمته من بعده؟ فيه احتمال.

وليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب، بل هو وما ينشأ عنه من الظفر بالعدو. والحكمة في جعل الغاية شهرًا هي أنه لم يكن بينه وبين الممالك الكبار التي حوله ممثر من شهر، كالشام والعراق ومصر واليمن، فليس بين المدينة النبوية وبين الواحدة منها إلاَّ شهر فما دونه، وللطبراني عن السائب بن يزيد "شهرًا أمامي وشهرًا خلفي" وهذا غير مناف لحديث جابر. وله أيضًا عن أبي أُمامة "شهرًا وشهرين" وهذا التردد بي الشهر والشهرين إما أن يكون الراوي سمعه كما في حديث السائب، واما أنَّه لا أثر لتردده، لجزم غيره بالشهر.

وقوله: وجُعِلَت لي الأرض مسجدًا أي موضع سجود، ولا يختص السجود بموضع منها دون موضع، ويمكن أن يكون مجازًا عن المكان المبني للصلاة وهو من مجاز التشبيه، لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك. وقال التيمي: قيل: المراد جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وجعلت لغيري مسجدًا ولم تجعل له طهورًا لأنَّ عيسى كان يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة، وسبقه الداوديّ إلى هذا وقيل: إنما أبيحت لهم في موضع يتيقنون طهارته، بخلاف هذه الأمة، فأبيح لها في جميع الأرض إلاّ فيما تيقنوا نجاسته. والأظهر ما قاله الخطابيّ وهو أنّ من قبله إنما أُحلت لهم الصلاة في أماكن مخصوصة كالبِيَع والصوامع. ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ "وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم" وهذا نص في موضع النزاع، فتثبت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار عن ابن عباس نحو حديث الباب، وفيه "ولم يكن من الأنبياء أحدٌ يصلي حتى يبلغ محرابه". قلت: فعلى هذا فلعل ما روي عن عيسى عليه الصلاة والسلام من كونه يصلي حيث أدركته الصلاة، لم يثبت. وقوله: وطهورًا، استدل به على أن الطَّهور هو الطهر لغيره؛ لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية، والحديث إنما سيق لإثباتها. وقد روى ابن المنذر وابن الجارود بإسناد صحيح، عن أنس مرفوعًا "جُعلت لي كل أرض طيبة مسجدًا وطهورًا" ومعنى طيبة طاهرة، فلو كان معنى

<<  <  ج: ص:  >  >>