للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصدر عند المبعث، زيادة في إكرامه، ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قويّ في أكمل الأحوال من التطهير، ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة. ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل لتقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرة الثالثة، كما تقرر في شرعه -صلى الله عليه وسلم-.

وقد رُوي الشق أيضًا وهو ابن عشر أو نحوها، في قصة له مع عبد المطلب أخرجها أبو نعيم في الدلائل، ورُوي مرة أخرى خامسة، ولا تثبت. قال القرطبيُّ في المُفهم: لا يلتفت لإِنكار الشق ليلة الإسراء؛ لأن رواته ثقات مشاهير، وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، مما يجب التسليم له دون التعريض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شي من ذلك.

واختلف هل كان شق قلبه وغسله مختصًا به أو وقع لغيره من الأنبياء؟ وقد وقع عند الطبرانيّ في قصة تابوت بني إسرائيل أنه كان فيه الطَّسْت التي تغسل فيها قلوبُ الأنبياء، وهذا مشعر بالمشاركة. وقوله: ثم غسله بماء زمزم، أي برجوع الضمير إلى الصدر، وفي رواية مالك بن صعصعة "فغسل قلبي". وفي رواية مسلم "فاستخرج قلبي فغُسل بماء زمزم". وفيه فضيلة ماء زمزم على جميع المياه. قال ابن أبي جمرة: وإنما لم يغسل بماء الجنة، لما اجتمع في ماء زمزم من كون أصل مائها من ماء الجنة، ثم استقر في الأرض، فأريد بذلك بقاء بركة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأرض. وقال السهيليّ: لما كانت زمزم هَزْمَةَ جبريل رُوح القدس، لأم إسماعيل جد النبي عليهما الصلاة والسلام، ناسب أن يغسل بمائها عند دخول حضرة القدوس ومناجاته.

وقوله: ثم جاءَ بطَست من ذهب، الطَست بفتح أوله وكسره وبمثناة، وقد تحذف، وهو الأكثر، وإثباتها لغة طيء، وأخطأ من أنكرها، إناء معروف خص بذلك لأنه أشهر آلات الغسل عُرفًا، وإنما كان من ذهب لأنه أعلى أنواع الأواني الحسية وأصفاها، ولأن فيه خواص ليست لغيره، وتظهر لها هنا مناسبات منها أنه من أواني الجنة، ومنها أنه لا تأكله النار ولا التراب، ولا يلحقه الصدأ،

<<  <  ج: ص:  >  >>