للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فروى النَّسائيّ عنها "سمعت لغطًا وصوت صبيان، فقام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فإذا حبشة تَزْفنُ أو ترقص، والصبيان حولها، فقال: يا عائشة، تعالى فانظري" ففي هذا أنه ابتدأها، وفي رواية عبيد بن عمير عنها عن مسلم أنها قالت: "للعابين وددتُ أني أراهم" ففي هذا أنها سألت، ويجمع بينهما بأنها التمست منه ذلك فأذن لها.

قلت الرواية الأولى صريحة في إذنه لها ابتداءًا من غير التماس، فكيف يصح الجمع؟ وكذلك رواية النسائي عن أبي سَلمة عنها "دخل الحبشة يلعبون، فقال لي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: يا حُميراء، أتحبين أن تنظري إليهم، فقلت: نعم" إسناده صحيح. ففي هذا عرضه ذلك عليها من غير أن تلتمسه منه. قال في الفتح: ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا، وفي رواية أبي سلمة هذه من الزيادة عنها، قالت: ومن قولهم يومئذ "أبا القاسم طيبًا"، كذا بالنصب على حكاية قول الحبشة. ولأحمد والسراج وابن حبّان عن أنس "أن الحبشة كانت تزفن بين يدي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ويتكلمون بكلام لهم، فقال: ما يقولون؟ قال: يقولون محمد عبد صالح".

وقوله: فأقامني وراءه، أي متلاصقين، وهي جملة حالية بدون واو، كما قيل في قوله تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} وعند مسلم "فوضعتُ رأسي على مَنْكِبه"وفي رواية أبي سلمة المذكورة "فوضعت ذقني على عاتقه، وأسندت وجهي إلى خده" وفي رواية عبيد بن عمير عنها "أنظر بين أذنيه وعاتقه" ومعانيها متقاربة، ورواية أبي سلمة أبينها.

وقوله: يسترني بردائه، فيه رد على ابن المنير في استنباطه من لفظ "فأقامني وراءه" وجوازَ اكتفاء المرأة بالتستر بالقيام خلف من تستتر به من زوج أو ذي محرم إذا قام ذلك مقام الرداء؛ لأن القصة واحدة، وقد وقع فيها التنصيص على وجود التستر بالرداء، وفيه دلالة على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب، ويدل على جواز نظر المرأة إلى الرجل، وأجاب بعض من منع، بأن عائشة كانت إذ ذاك

<<  <  ج: ص:  >  >>