للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعليل لمشروعية التأخير المذكور، وهل الحكمة فيه دفع المشقة، لكونها قد تسلب الخشوع، وهذا أظهر، أو كونها الحالة التي ينتشر فيها العذاب؟ ويؤبده حديث عمرو بن عنبسة عند مسلم، حيث قال له: "اقصر عن الصلاة عند استواء الشمس، فإنها ساعة تسجر فيها جهنم"، وقد استشكل هذا بأن الصلاة سبب الرحمة، ففعلها مظنة لطرد العذاب، فكيف أمر بتركها؟

وأجيب عنه بأن التعليل إذا جاء من جهة الشارع وجب قبوله، وإن لم يفهم معناه. واستنبط الزين بن المنير معنى يناسبه، فقال: وقت ظهور الغضب لا ينجح فيه الطلب إلا ممن أذن له فيه، والصلاة لا تنفك عن كونها طلبًا ودعاء، فناسب الاقتصار عنها حينئذ، واستدل بحديث الشفاعة، حيث اعتذر الأنبياء كلهم للأمم بأن الله غضب غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، سوى نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم، فلم يعتذر، بل طلب لكونه أذن له فيه.

قلت: ما قاله يلزم منه أن وقت نزول العذاب، ليس وقت دعاء وتضرع إلى الله تعالى، بدفع العذاب والبلاء، وهذا لا يقوله أحد فليتأمل، ويمكن أن يقال: إن سجرهم جهنم سبب فيحها، وفيحها سبب وجود شدة الحر، وهي مظنة المشقة التي هي مظنة سلب الخشوع، فناسب أن لا يُصلّى فيها، لكنْ يرد عليه أن سَجْرها مستمر في جميع السنة، والإبراد مختص بشدة الحرّ فهما متغايران، فحكمة الإبراد دفع المشقة، وحكمة الترك وقت سجرها لكونه وقت ظهور أثر الغضب.

وقوله: "من فيح جهنم"، أي: من سعة انتشارها وتنفسها، ومنه مكان أفيح، أي: متسع، وهذا كناية عن شدة استعارها، وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة. وقيل: هو من مجاز التشبيه، أي: كأنه نار جهنم في الحر، والأول أولى، ويؤيده الحديث الآتي قريبًا: "اشتكت النار إلى ربها، فأذن له بنَفَسَيْنِ".

[رجاله ثمانية]

الأول: أيوب بن سليمان بن بلال التيميّ، مولاهم أبو يحيى المدنيّ، ذكره

<<  <  ج: ص:  >  >>