للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت، والدعاء إلى الجماعة، وإظهار شعائر الإِسلام، والحكمة في اختيار القول له دون الفعل، سهولةُ القول وتيسره لكل أحد في مكان وزمان، واختلف أيهما أفضل: الأذان أولًا أو الإِقامة. ثالثها: إنْ علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل، وإلا فالأذان. وفي كلام الشافعي ما يومىء إليه. واختلف أيضًا في الجمع بينهما، فقيل: يكره، وفي البيهقيّ، عن جابر مرفوعًا النهيُ عن ذلك، لكن سنده ضعيف. وصح عن عمر: "لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذَّنت"، رواه سعيد بن منصور وغيره. وقيل: هو خلاف الأَوْلى، وقيل: يستحب، وصححه النووي.

وقد كثر السؤال: هل باشر عليه الصلاة والسلام الأذان بنفسه؟ فعند السُّهَيليّ، أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أذّنَ في سفر، وصلّى بأصحابه وهم على رواحلهم، السماء من فوقهم، والبِلَّة من أسفلهم. أخرجه التِّرمِذيّ عن أبي هُريرة، وليس من حديث أبي هُريرة، وإنما هو من يَعلي بن مُرة، وكذا جزم النوويّ أن النبي عليه الصلاة والسلام أذّنَ مرة في السفر، وعزاه للتِّرمذيّ، وقوّاه. ولكن هذا في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه التِّرمذيّ منه، ولفظه: "فأمر بلالًا فأذَّن"، فعرف أن في رواية الترمذي اختصارًا، وأن معنى قوله: "أذَّن" أمر بلالًا به، كما يقال: أعطى الخليفةُ العالم الفلانيَ ألفًا، وإنما باشر العطاء غيره، ونسب للخليفة لكونه آمرًا.

ثم قال:

[باب بدء الأذان]

أي: ابتداؤه، وسقط لفظ: "باب" من رواية أبي ذَرٍّ، ثم قال: وقول الله عز وجل: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}، وقوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} يُشير بذلك إلى أن ابتداء الأذان كان بالمدينة؛ لأن الآية مدنية، وقد ذكر بعض أهل التفسير أن اليهود لما سمعوا الأذان قالوا: لقد ابتدعت شيئًا يا محمد، لم يكن فيما مضى،

<<  <  ج: ص:  >  >>