للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما في ركعتي الفجر، قيل: الحكمة في الندب إليهما رجاء إجابة الدعاء، لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، وكلما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر. وادعى بعض المالكية نسخهما، فقال: إنما كان ذلك في أول الأمر، حيث نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، فَبَيّن لهم بذلك وقت الجواز، ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها، فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها، لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها. وتعقب هذا بأن دعوى النسخ لا دليل عليها.

قلت: دليل النسخ ما رواه أبو داود عن ابن عمر، قال: ما رأيت أحدًا يصليهما على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فأي دليل فوق هذا؟ فكيف تكون الصحابة داومت عليهما إلى موته عليه الصلاة والسلام، ولم يري ابن عمر أحدًا يصليهما؟ وهو قد بلغ في الأحزاب، وما رواه محمد بن نصر وغيره عن إبراهيم النَّخعيّ أن الخلفاء الأربعة كانوا لا يصلونهما، وهذا هو أقوى دليل على النسخ عند مالك. قال: لأن الخلفاء هم أعلم الناس بآخر فعله عليه الصلاة والسلام، فكانوا يتبعون الأحدث من فعله فالأحدث، فهذا دالٌّ على أنه لم يفعلهما، أو أن كان فعلهما تركهما أخيرًا.

وقول صاحب "الفتح" فيما مرّ عنه: إن عدم فعله عليه الصلاة والسلام لهما لا ينافي الاستحباب، فيه نظر، فإنه شافعي، والمستحب عند الشافعية ما فعله صلى الله تعالى عليه وسلم من غير مداومة، والمستحب عندنا معاشر المالكية مرادف للندب، وهو ما أمر به أمرًا غير جازم، أو أعلم صلى الله تعالى عليه وسلم فيه بالثواب، ولم يثبت حديث فيه الأمر بهاتين الركعتين، والإخبار بثوابهما. وقد روى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبيّ بن كعب، وأبي الدرداء، وأبي موسى وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما، ويأتي في أبواب التطوع أن عقبة بن عامر سُئل عن الركعتين قبل المغرب، فقال: كنا نفعلهما على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، قيل له: فما منعك الآن؟ قال: الشغل.

<<  <  ج: ص:  >  >>