للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرج مسلم حديث البخاري هذا ولفظه: كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها. وهذا نصّ صريح دال على ما ذكرناه من أن المراد بالأول عدم البسملة أصلًا لا عدم الجهر بها. فالحديث بعضه يفسر بعضًا.

ولحديث أنس طرق أخرى دون ما أخرجه أصحاب الصحاح في الصحة، وكل ألفاظه يرجع إلى معنى واحد يصدّق بعضها بعضًا:

الأول: كانوا لا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم.

الثاني: فلم أسمع أحدًا منهم يقول أو يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.

الثالث: فلم يكونوا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم.

الرابع: فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين.

وصحح الخطيب هذا اللفظ، وجعل ما سواه ضعيفًا، لرواية الحفاظ له عن قتادة ولمتابعة غير قتادة له عن أنس، وجعل اللفظ المحكم عن أنس وجعل غيره متشابهًا، وحقيقة هذا اللفظ الافتتاح بالآية من غير ذكر التسمية سرًا أو جهراً فكيف يجوز العدول عنه بغير موجب. ويؤكده قوله في رواية مسلم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم لا في أول قراءة ولا في آخرها.

وقَدْحُ بعضهم في صحة حديث مسلم هذا يكون الأوزاعي رواه عن قتادة مكاتبةً فيه نظر، فإن الأوزاعي لم ينفرد به، فقد رواه أبو يَعلَى عن أحمد الدَّورقي والسراج عن يعقوبَ الدَّورقي وعبد الله بن أحمد عن أحمد بن عبد اللة السُّلَمي، ثلاثتهم عن أبي داود الطيالسي عن شُعْبة بلفظ: فلم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم.

واحتجوا أيضًا بما أخرجه مسلم عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: يقول الله تعالى قُسمتِ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفُها لي ونصفُها لعبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حَمدني عبدي الخ. فهذا واضح في أن البسملة ليست من الفاتحة وإلا لابتدأ بها.

وقال أبو عمر: حديث العلاء هذا قاطع لقلق المنازعين، وهو نص لا يحتمل التأويل، ولا أعلم حديثًا في سقوط البسملة أبين منه، والاعتراض على هذا الحديث بأن العلاء بن عبد الرحمن قد تُكلّم فيه مردود بأنه قد رواه عن العلاء الأئمة الثمَات الأثبات، كمالك، وابن عُيينة، وابن جُرَيح، وشُعيب، والوليد بن كَثير، وعبد العزيز الدراوردي وغيرهم. وكذلك الاعتراضَ عليه بأن الدارقطني أخرجه وفيه فإذا افتتح الصلاة ببسم الله الرحمن المرحيم، فإن هذه الرواية انفرد بها عن العلاء بن سمعان. وقد قال مالك فيه كان كذابًا. وكذا قال يحيى بن مَعين. وقال هشام بن عُروة: لقد كذب عليّ وحدّث عني بأحاديث لم أحدّثه بها. وقال أحمد متروك الحديث.

واحتجوا أيضًا بما أخرجه الترمذي عن ابن عبد الله بن مغفَّل قال: سمعني أبي وأنا في الصلاة

<<  <  ج: ص:  >  >>