للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الكرماني: يحتمل أن يكون في الدعوات الثلاث إشارة إلى الأزمنة الثلاثة، فالمباعدة للمستقبل، والتنقية للحال، والغسل للماضي. وكان تقديم المستقبل للاهتمام بدفع ما سيأتي قبل رفع ما حصل، واستدل بالحديث على مشروعية الدعاء بين التكبير والقراءة خلافًا للمشهور عن مالك، وورد فيه أيضًا حديث علي: وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدني لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبّيك وسعديك، والخير كلّه بيديك، والشرّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.

أخرجه مسلم. وفيه ألفاظ قليلة متفاوتة، لكن قيّده بصلاة الليل وأخرجه الشافعي وابن خزيمة وغيرهما بلفظ: إذا صلّى المكتوية. واعتمده الشافعي في الأم.

وفي الترمذي وصحيح ابن حبّان عن أبي سعيد الخدري: الافتتاح سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك.

ونقل الساجي عن الشافعي استحباب الجمع بين التوجّه والتسبيح، وهو اختيار ابن خزيمة وجماعة من الشافعية، وحديث أبي هريرة أصحّ ما ورد في ذلك. ومشهور مذهب الشافعية الافتتاح بحديث علي رضي الله تعالى عنه، وعند أبي حنيفة وأصحابه، وأحمد، والثوري، وإسحاق، والأوزاعي الافتتاح بسبحانك اللهم .. الخ.

وقال أبو يوسف: يجمع بين التوجه والتسبيح، ويبدأ بأيّهما شاء، ومقابل المشهور عن مالك رواية ابن حبيب، أنّه يندب عنده الافتتاح، لكن بعد الإقامة وقبل الإِحرام، يقول: سبحانك اللهم إلى قوله ولا إله غيرك، وجّهت وجهي .. الآية، اللهم باعد بيني وبين خطاياي .. الخ الحديث. بجمع هذه الأذكار الثلاثة، واستدل بالحديث على جواز الدعاء في الصلاة بما ليس في القرآن خلافاً للحنفية، ثم هذا الدعاء صدر منه عليه الصلاة والسلام على سبيل المبالغة في إظهار العبودية.

وقيل: قاله على سبيل التعليم لأمته، واعترض بأنه لو أراد ذلك لجهر به، وأجيب بورود ذلك في حديث عند البزار، وفيه ما كان عليه الصحابة من المحافظة على تتيع أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حركاته وسكناته وإسراره وإعلانه، حتى حفظ الله بهم الدين.

واستدل بعض الشافعية على أن الثلج والبرَد مطهّران، واستبعده ابن عبد السلام. قلت: وهذا هو مذهبنا معاشر المالكية، وأبعد منه استدلال بعض الحنفية به على نجاسة الماء المستعمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>