للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذكر أوصاف أعضائها. وقال ابن المنير الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة خطر، وذلك أنه قد تلتبس عليه الدنيا الجائزة بالمحظورة فيدعو بالمحظورة فيكون عاصيًا متكلمًا في الصلاة فتبطل صلاته وهو لا يشعر، ألا ترى أن العامة يلتبس عليها الحق بالباطل، فلو حكم حاكم على عامي بحق فظنه باطلًا فدعا على الحاكم باطلًا بطلت صلاته. وتمييز الحظوظ الجائزة من المحرمة عسر جدًا، فالصواب أن لا يدعو بدنياه إلا على تثبت من الجواز، قلت: ابن المنير مالكي وظاهر كلامه هذا الجزم بأن المالكية تبطل عندهم الصلاة بالدعاء المحرم فيها، ومشهور مذهبهم هو أن الدعاء في الصلاة بالممتنع شرعًا أو عادة فنظر فيه عندهم، هل تبطل الصلاة به مطلقًا أو تبطل بالممتنع شرعًا لا عادة؟ والظاهر كما في "العدوي" صحة الصلاة مطلقًا سواء كان ممتنعًا عقلًا كالجمع بين الضدين أو عادة أو شرعًا، وقد يجوز الدعاء على الظالم بعزله كان ظالمًا له أو لغيره والأولى عدم الدعاء على مَنْ لم يعم ظلمه، فإن عمّ فالأولى الدعاء، وينهى عن الدعاء عليه بذهاب أولاده وأهله أو بالوقوع في معصية؛ لأن إرادة الوقوع في المعصية معصية أو بمؤلمات تحصل له فوق ما يستحقه. وفي جواز الدعاء بسوء الخاتمة قولان الراجح كما قاله ابن ناجي وغيره المنع خلافًا للبرزلي. قلت: المنع هو مقتضى ما مرّ من حرمة الدعاء بالوقوع في المعصية، فإن سوء الخاتمة أشد المعاصي؛ لأنه كفر فلا يجوز الدعاء به قطعًا، لكن التقييد بمن لم يعم ظلمه لا يحتاج إليه في هذا الزمان؛ لأن الحكام في هذا الزمان ابتداء تحكيمهم مبني على الظلم والقوانين الكفرية، فكل مَنْ دخل في حكم كان ظلمه عامًا.

وقد استدل البيهقي على جواز الدعاء بغير المأثور بقوله في حديث الباب المتفق عليه "ثم ليتخيرْ من الدعاءِ أعجبَهُ إليه فيدعو به"، وبحديث أبي هريرة رفعه "إذا فرغَ أحدُكم من التشهدِ فليعوذْ باللهِ" الحديث وفي آخره "ثم ليدعو لنفسِهِ بما بدا له"، هكذا أخرجه البيهقي وأصل الحديث في "مسلم" وهذه الزيادة صحيحة؛ لأنها من الطريق التي أخرجها مسلم، والحديث راد على ابن سيرين في قوله: "لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة" وقد ورد فيما يقال بعد التشهد أخبار من أحسنها ما رواه سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة عن عمر بن سعد قال: كان عبد الله بن مسعود يعلمنا التشهد في الصلاة ثم يقول: "إذا فرغ أحدُكم من التشهدِ فليقلْ: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ من الخير كلَّهِ ما علمتُ مِنْهُ وما لم أعلمْ وأعوذُ بكَ من الشر كلَّهِ ما علمتُ مِنْهُ وما لم أعلمْ. اللَّهُمَّ إنّي أسألُكَ من خيرِ ما سألَكَ مِنْهُ عبادُكَ الصالحونَ وأَعوذُ بكَ من شرّ ما استعاذَكَ منه عبادُكَ الصالحونَ. ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً" الآية. قال ويقول: لم يدع نبي ولا صالح بشيء إِلا دخل في هذا الدعاء، وهذا من المأثور غير مرفوع وليس هو مما ورد في القرآن. وقد قال الشافعي بوجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد وادعى أبو الطيب الطبري من اتباعه والطحاوي وآخرون أنه لم يسبق إلى ذلك، واستدلوا على نّدبيتها بحديث الباب مع دعوى الإجماع وفيه نظر؛ لأنه ورد عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما ما يدل على الوجوب، وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود راوي

<<  <  ج: ص:  >  >>