للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عجرة تدل على أن السؤال وقع عن صفة الصلاة لا عن محلها. الرابع: ليس في الحديث ما يدل على تعين ذلك في التشهد خصوصًا بينه وبين السلام من الصلاة، وقد أطنب قوم في نسبة الشافعي في ذلك إلى الشذوذ منهم أبو جعفر الطبري وأبو جعفر الطحاوي كما مرّ عنهما وأبو بكر بن المنذر والخطابي، وأورد عياض في "الشفاء" مقالاتهم وعاب عليه ذلك غير واحد؛ لأن موضوع كتابه يقتضي تصويب ما ذهب إليه الشافعي؛ لأنه من جملة تعظيم المصطفى -عليه الصلاة والسلام- وقد استحسن هو القول بطهارة فضلاته مع أن أكثر على خلافه، لكنه استجاده لما فيه من الزيادة في تعظيمه.

قلت: هذا الاعتراض فيه على القاضي عياض؛ لأن كتابه وإن كان موضوعه تعظيم المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لم يأتِ فيه إلا بما ثبت من تعظيمه بالأدلة الثابتة عنده، فلم يأت فيه بتعظيم لا دلالة عليه. وما قاله من طهارة فضلاته -عليه الصلاة والسلام- قاله غيره من أئمة المالكية والشافعية وكذلك غيره من جميع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.

وانتصر ابن القيم للشافعي فقال: قد أجمعوا على مشروعية الصلاة عليه في التشهد، وإنما اختلفوا في الوجوب والاستحباب وفي تمسك من لم يوجبه بعمل السلف الصالح نظر؛ لأن عملهم كان بوفاقه إلا إن كان يريد بالعمل الاعتقاد فيحتاج إلى نقل صريح عنهم بأن ذلك ليس بواجب، وأنى يوجد ذلك؟

وأما قول عياض إن الناس شنعوا على الشافعي فلا معنى له، فأي شناعة في ذلك؟ لأنه لم يخالف نصًا ولا إجماعًا ولا قياسًا ولا مصلحة راجحة، بل القول بذلك من محاسن مذهبه واستدلوا بما رواه الترمِذِيّ عن عمر موقوفًا: "الدعاءُ موقوفٌ بين السماءِ والأرض لا يصعدُ منهُ شيءٌ حتى يُصَلَّى على النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-". وقال ابن العربي: ومثل هذا لا يقال من قِبل الرأَي فله حكم الرفع، وورد له شاهد مرفوع في جزء الحسن بن عرفة. وأخرج العمري في "عمل يوم وليلة" عن ابن عمر بسند جيد قال: "لا تكونُ صلاة إلا بقراءةٍ وتشهدٍ وصلاةٍ عليه. وأخرج البيهقي في "الخلافيات" عن الشعبي قال: "مَنْ لم يصلِّ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في التشهدِ فَلْيُعِدْ صلاَتَهُ". وأخرج الطبري بسند صحيح عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: "كنا نُعَلَّمُ التشهدَ، فإذا قالَ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ يحمدُ ربَّهُ ويثني عليهِ ثم يصلِّي على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثم يسألُ حاجَتَهُ".

وقد مرّ من وافقه من فقهاء الأمصار هذا ملخص ما ذكره في "الفتح" من حجج الشافعية على وجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد الأخير من الصلاة، ولم أرَ لهم دليلًا دالًا على الوجوب ينشرح له الصدر والله تعالى أعلم.

[رجاله خمسة]

قد مرّوا، مرّ مسدد ويحيى بن سعيد في السادس من الإيمان, ومرّ الأعمش في الخامس

<<  <  ج: ص:  >  >>