للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أصحابِكَ؟ فقال: يا سلمانُ إنّا لا تحلِّ لنا الصدقةُ فرفعها، ثم جاءهُ من الغدِ بمثليها فقال: هذه هديةٌ فقال لأصحابه: كلُوا وكان هذا في أول قدومهِ -عليه الصلاة والسلام- يريدُ اختبارَهُ بذلك ثم اشتراه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من اليهودِ بكذا وكذا درهمًا إلى أن يغرسَ لهم كذا وكذا من النخلِ يعملُ فيها سلمانُ إلى أن تدركَ، فغرسَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- النخلَ كلَّه إلاَّ نخلة غرسها عمرُ فأطعمَ النخل كله إلا تلكَ النخلَة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ غرسَها؟ قالوا: عمرُ، فقلعَه -عليه الصلاة والسلام- وغرسَها فأطعمت من عامِها. وكان سلمانُ يطلبُ دينَ اللهِ تعالى ويتتبّعُ من يرجو ذلكَ عندَهُ، فدانَ بالنصرانيةِ وغيرِها وقرأ الكتبَ وصبرَ في ذلكَ على مشقّاتٍ نالتْهُ". وذلك كله مذكور في خبر إسلامه والأكثر على أن أول مشاهده الخندق شغله الرّق قبله وهو الذي أشار بحفره. وقد قال أبو سفيان وقومه لما رأوه: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها. وقيل: شهد بدرًا وأُحدًا إلّا أنه كان عبدًا يومئذٍ كان - رضي الله تعالى عنه- خيّرًا فاضلًا عالمًا زاهدًا متقشفًا.

قال الحسن: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان إذا خرج عطاؤه تصدّق به ويأكل من عمل يده، وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها، وكان يخطب بثلاثين ألفًا لابسًا تلك العباءة. دخل قوم عليه وهو أمير على المدائن وهو يعمل حفر الخُوْص. فقيل له: لِمَ تعمل هذا وأنت أمير ويجري عليك رزق؟ فقال: إني أحبُّ أن آكل من عمل يدي، وذكر أنه تعلّم حفر الخُوْص (بالمدينة) من الأنصار بعض مواليه. وذكر ابن وهب عن مالك قال: كان سلمان يعمل الخوص بيده فيعيش به، ولا يقبل من أحد شيئًا. قال: ولم يكن له بيت وإنما كان يستظل بالجدار والشجر وإن رجلًا قال له: ألا أبني لك بيتًا تسكن فيه؟ قال: ما لي به حاجة فما زال الرجل حتى قال: إني أعرف البيت الذي يوافقك، قال فصف لي، قال: أنا أبني لك بيتًا إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه وإذا أنت مددت رجليك فيه أصابها الجدار. قال: نعم، فبنى له.

آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين أبي الدرداء. وقال لأبي الدرداء: سلمان أفقه منك. وكان إذا نزل الشام نزل على أبي الدرداء وروى أبو جحيفة أن سلمان جاء يزور أبا الدرداء فرأى أُم الدرداء متبذلة قال: "ما شانكِ؟ قالت: إن أخاك ليس له حاجة في الدنيا، فلما جاء أبو الدرداء رحّب بسلمان وقدّم له طعامًا فقال سلمان: اطعم؟ فقال: إني صائم. فقال: أقسمت عليك إلا طَعِمْت إني لست بآكل حتى تطعم. قال وبات سلمان عند أبي الدرداء، فلما كان الليل قام أبو الدرداء فأحس به سلمان فقال: يا أبا الدرداء إن لربك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، ولجسدك عليك حقًا فأعط كلّ ذي حقّ حقّه، فلما كان وجه الصبح قال: قم الآن. قال: فقاما ثم صلّيا ثم خرجا إلى الصلاة، فلما صلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام إليه أبو الدرداء فأخبره بما قال له سلمان. فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِثلَ ما قال سلمانُ"، له ستون حديثًا تفقا على ثلاثةٍ وانفرد البخاري بواحد ومسلم بثلاثة.

روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنه أنس وابن عباس وأبو سعيد الخدري وأم الدرداء الصغرى وغيرهم: كان واليًا على المدائن ومات بها في عِلّية لأبي قُرّة الكِنْدي في خلافة عثمان سنة ست وثلاثين،

<<  <  ج: ص:  >  >>