للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: هذا لا يجدي مع ثبوت الخصوصية وتكرر الأمر له هو دون غيره من جميع الصحابة لما مرّ أن هذه القصة لم تثبت عن أحد من الصحابة سواه قال على معنى فيه غيره موجود في غيره إذ لا يمكن أن أحدًا من الصحابة يؤمر بحكم شرعي مرتين ويتمادى، هذا ما ظهو لي والله تعالى أعلم.

وأجابوا عن كون التحية تفوت عندهم بالجلوس بأن النووى نقل عن المحققين أن ذلك في العامد العالم، أما الجاهل أو الناسي فلا وحال هذا الداخل محمولة في الأولى على أحدهما، وفي المرتين الأخريين على النسيان. وما قالوه في أمر الصحابي إنما هو تجوز عقلي لا يعول عليه. وأجابوا عمّا مرّ عن ابن العربي بأن المعارضة التي تؤول إلى إسقاط الدليلين إنما يعمل بها عند تعذر الجمع، والجمع هنا ممكن

أما الآية فليست الحطبة كلها قرآنًا، وأما ما فيها من القرآن فالجواب عنه كالجواب عن الحديث، وهو تخصيص عمومه بالداخل قلت: مع النهي الصريح للداخل عنها وثبوت الخصوصية وثبوب القاعدة الأصولية المتفق عليها من "تقديم درء المفاسد على جلب المصالح" لا يستقيم هذا الجواب.

وأجابوا أيضًا بأن مصلي التحية يجوز أن يطلق عليه أنه منصت، فقد تقدم في افتتاح الصلاة من حديث أبي هريرة أنه قال: "يا رسول الله سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول فيه؟ فأطلق على القول سرًا السكوت".

قلت: هذا الجواب ساقط؛ لأن المطلوب في الجمعة اصغاء والاستماع كما مرّ في الباب السابق لا مجرد السكوت، حتى يستدل بالحديث. وأما حديث ابن بشر فهو أيضًا واقعة عين لا عموم فيها فيحتمل أن يكون ترك أمره بالتحية قبل مشروعيتها، ويحتمل أن يجمع بينهما بأن قوله له: "اجلس" أي: بشوطه، وقد عرف قوله للداخل "فلا تجلس حتى تصلي ركعتين" فمعنى قوله: "اجلس" لا تتخط أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز، فإنها ليست واجبة؛ أو لكون دخوله وقع في آخر الخطبة بحيث ضاق الوقت عن التحية.

وقد اتفقوا على استثناء هذه الصورة، ويحتمل أن يكون صلى التحية في مؤخر المسجد، ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة فوقع منه التخطي فأنكر عليه والجواب عن حديث ابن عمر بأنه ضعيف فيه أيوب بن نهيك وهو منكر الحديث قاله أبو زرعة وأبو حاتم، والأحاديث الصحيحة لا تعارض بمثله.

والجواب عن هذا أنها لم تعارض بهذا الحديث وحده بل عورضت بما هو أقوى منها. وقد أجابوا عن حديث ابن بشر بما مرَّ من الاحتمالات. وقد قال الترمذي: إن قصة سليك هي أصح شيء روي في هذا الباب. وقد مرّ ما تطرقها من الاحتمال والقاعدة الأصولية أن "الدليل إذا تطرقه الاحتمال سقط به الاستدلال".

<<  <  ج: ص:  >  >>